للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الصَّيْمَرِيّ قَلّدهُ معز الدولة مَكَانَهُ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وقربه وَأَدْنَاهُ واختص بِهِ وَعظم جاهه عِنْده

وَكَانَ يدبر أَمر الوزارة للمطيع من غير تسميةٍ بوزارة ثمَّ جددت لَهُ الْخلْع من دَار الْخلَافَة بِالسَّوَادِ وَالسيف والمنطقة ولقبه الْمُطِيع بالوزارة ودبر الدولتين

وَكَانَ ظريفاً نظيفاً قد أَخذ من الْأَدَب بحظٍ وافر وَله همة كَبِيرَة وصدرٌ وَاسع وَكَانَ جماعاً لخلال الرياسة صبوراً على الشدائد

وَكَانَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ وسخاً فِي ثَوْبه وَنَفسه وَفعله فواكل الْوَزير المهلبي على مائدته وقدمت سكباجة وَافَقت من أبي الْفرج سعلة فبدرت من فَمه قِطْعَة بلغم سَقَطت فِي وسط الصحن فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد ارْفَعُوا هَذَا وهاتوا من هَذَا اللَّوْن فِي غير هَذَا الصحن وَلم يبن فِي وَجهه استكراه وَلَا دَاخل أَبَا الْفرج حياءٌ وَلَا انقباضٌ

وَكَانَ من ظرف الْوَزير المهلبي إِذا أَرَادَ أكل شَيْء من أرز بِلَبن وهرايس وحلوى رَقِيق وقف إِلَى جَانِبه الْأَيْمن غُلَام مَعَه نَحْو ثَلَاثِينَ ملعقةً زجاجاً مجروداً فَيَأْخُذ الملعقة من الْغُلَام)

الَّذِي على يَمِينه وَيَأْكُل بهَا لقْمَة وَاحِدَة ويدفعها إِلَى الَّذِي على يسَاره لِئَلَّا يُعِيد الملعقة إِلَى فِيهِ دفْعَة ثَانِيَة

وَلما كثر على الْوَزير اسْتِمْرَار مَا يجْرِي من أبي الْفرج جعل لَهُ مائدتين إِحْدَاهمَا كَبِيرَة عَامَّة وَالْأُخْرَى لَطِيفَة خَاصَّة يؤاكله عَلَيْهَا من يَدعُوهُ إِلَيْهَا

وعَلى صنعه بِأبي الْفرج مَا كَانَ يصنعه مَا خلا من هجوه فَإِنَّهُ قَالَ من الْكَامِل

(أبعين مفتقرٍ إِلَيْك رَأَيْتنِي ... فأهنتني وقذفتني من حالق)

(لست الملوم أَنا الملوم لأنني ... أنزلت آمالي بِغَيْر الْخَالِق)

وَقد روى تَاج الدّين الْكِنْدِيّ هذَيْن لأبي الطّيب المتنبي وَالله أعلم لمن هما

وَكَانَ قبل وزارته قد سَافر مرّة وَلَقي فِي سَفَره مشقة شَدِيدَة واشتهى اللَّحْم فَلم يقدر عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَه رَفِيق يُقَال لَهُ أَبُو عبد الله الصُّوفِي وَقيل أَبُو الْحسن الْعَسْقَلَانِي فَقَالَ المهلبي ارتجالاً من الوافر

(أَلا موتٌ يُبَاع فأشتريه ... فَهَذَا الْعَيْش مَالا خير فِيهِ)

(أَلا موتٌ لذيذٌ الطّعْم يَأْتِي ... يخلصني من الْمَوْت الكريه)

(إِذا أَبْصرت قبراً من بعيدٍ ... وددت بأنني مِمَّا يَلِيهِ)

(أَلا رحم الْمُهَيْمِن نفس حرٍ ... تصدق بالوفاة على أَخِيه)

<<  <  ج: ص:  >  >>