نجم الدّين وَجعله يكْتب عِنْده فَمَا زَالَ يسْعَى إِلَى أَن وَقع الِاتِّفَاق بَينهمَا وَبَين القَاضِي شرف الدّين حَاكم صفد وَغَيره وقرروا الْأَمر مَعَ النَّائِب وَقطع الشَّيْخ نجم الدّين من التوقيع وَبَقِي بِيَدِهِ خطابة الْجَامِع
ثمَّ إِنَّهُم ضاروه حَتَّى توجه إِلَى دمشق خُفْيَة وَكَانَ الْأَمِير سيف الدّين بلبان الجوكندار بِدِمَشْق يَوْمئِذٍ مشد الدَّوَاوِين وَله بِهِ معرفَة من صفد فاستخدمه فِي كتاب الْإِنْشَاء بِدِمَشْق وَكتب قدامه
وَكَانَ القَاضِي محيي الدّين بن فضل الله يَأْمَن إِلَيْهِ ويقدمه ويستكتبه عِنْده فِي السِّرّ وَغَيره وَكَانَ بِيَدِهِ خطابة جَامع جراح بِدِمَشْق
وَلما أَتَى الْأَمِير سيف الدّين كراي إِلَى دمشق نَائِبا كَانَ يعرفهُ من صفد ويركن إِلَى أَمَانَته)
فقلده الْأَمر وعذقه بِهِ فتعب تعباً مفرطاً ونصح مخدمه فعادى الدماشقة ومقتوه فَلَمَّا أمسك كراي اختفى فسلمه الله
ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى صفد خَطِيبًا وموقعتاً وَكَانَ زين الدّين بن حلاوات قد انْفَرد بِالْأَمر فَدخل إِلَى النَّائِب وَقرر مَعَه مَا أَرَادَ فَلم يُمكن نجم الدّين من مُبَاشرَة شَيْء فَبَقيَ فِي صفد إِلَى أَن حضر لَهُ توقيعٌ ثانٍ وَكلما حضر شيءٌ يسْعَى فِي تعطيله إِلَى أَن أشركوا بَينهمَا فِي الوظيفتين
فأقاما مُدَّة وَوَقع بَينهمَا فطلبا إِلَى دمشق وَقرر الْأَمِير سيف الدّين تنكز أَن يخيرا كل وَاحِد ينْفَرد بوظيفته فَاخْتَارَ الشَّيْخ نجم الدّين خطابة القلعة وَالْجَامِع بِالْمَدِينَةِ وَاسْتقر زين الدّين بن حلاوات فِي التوقيع
وَلم يزل خَطِيبًا إِلَى أَن توفّي فجاءةً فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَلم تسمع أذناي خَطِيبًا أفْصح مِنْهُ وَلَا أعذب عبارَة وَلَا أصح أَدَاء كَأَنَّهُ يقْرَأ الْخطْبَة تجويداً لمخارج الْحُرُوف وَكَانَ لكَلَامه فِي الخطابة وقعٌ فِي السّمع وأثرٌ فِي الْقلب
وَتخرج بِهِ جماعةٌ فضلاء وَقل من قَرَأَ عَلَيْهِ وَلم يتَنَبَّه وَلم أر مثله فِي مبادئ التَّعْلِيم كَانَ يفتق ذهن المشتغل ويوضح لَهُ طرق الِاشْتِغَال وَلم أر مثله فِي تَنْزِيل قَوَاعِد النَّحْو على قَوَاعِد الْمنطق وَكَانَ يحب فَسَاد الْحُدُود وَالرَّدّ عَلَيْهَا وَالْجَوَاب عَنْهَا
وَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ أَولا الْعَلامَة القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ وَغَيره وَكَانَ لي مِنْهُ رَحمَه الله نصيبٌ وافر وَأَجد مِنْهُ حنواً كثيرا وَبرا وَلم أَقرَأ على أحد قبله وَكَانَ شَدِيد الْمحبَّة لأَصْحَابه شفوقاً عَلَيْهِم صَادِق اللهجة مفرط الْكَرم
وَكَانَت بَينه وَبَين الشَّيْخ صدر الدّين قرَابَة وَكَانَ هشاً بشاً بساماً وَعَمَّته مليحة وَلم أر أعف يدا وَلَا فرجا مِنْهُ رَحمَه الله
وَكَانَ يكْتب خطا حسنا ونظمه سريعٌ إِلَى الْغَايَة ونظمه أرشق من نثره وَكَانَ قَادِرًا على الْإِنْشَاء وَلم أره يخْطب بِغَيْر الْخطب النباتية