يستدغي ابْن بشر فَمضى إِلَيْهِ وَلم يكن بأسرع من أَن عَاد وَقد أَفَاضَ عَلَيْهِ خلعةً سنيةً وَحمله على بغلة بمركب ذهب فَسَأَلته عَن الْحَال فَقَالَ استدعاني وخاطبني بالجميل وَقَالَ أَنا أعرف لسَانك وخبثه وَأَنه لَا يسلم عَلَيْك أحدٌ وَأحب أَن تهب لي نَفسِي وَلَا تذكرني فِي شعرك وخلع عَليّ هَذِه الملابس وحملني على هَذَا المركوب فدعوت لَهُ وشكرته وَقلت معَاذ الله أَن أفعل هَذَا أبدا
وأخذنا فِيمَا كُنَّا فِيهِ من الشّرْب فَعمل فِي الْحَال من مجزوء الرمل
(فضل فِي الْعَالم فضلٌ ... لَيْسَ يحْتَاج إِلَيْهِ)
(قائدٌ قَامَ علينا ... حِين سلمنَا عَلَيْهِ)
ثغره الأشنب بالتقبيل أولى من يَدَيْهِ)
فَقلت لَهُ وفيت وَمَا قصرت
وَولي بعض النواحي مشرفاً فَخرج إِلَيْهَا رَاجِلا فَقَالَ من المتقارب
(أولى الْخراج وكشف الضّيَاع ... وَذَا الزي زيي وَذي حالتي)
(وأخشى إِذا جئتهم رَاجِلا ... يظنونني بعض رجالتي)
وَقَالَ فِي الْحُسَيْن بن لسلة من مجزوء الْخَفِيف
(شعراتٌ تسلسلت ... فِي عذار ابْن سلسله)
يَا حُسَيْن ارث للخسين بن بشرٍ ورق لَهُ
(أَنْت تَدْرِي بلوعتي ... بك مَا كل ذَا بله)
وَقَالَ فِيهِ بعد ذَلِك من الْخَفِيف والعذار الَّذِي تسلسل بالْحسنِ هُوَ الْيَوْم ذقن تيسٍ كثيف
(فَإِذا مَا نظرته قلت صوفٌ ... وَإِذا مَا لمسته قلت لِيف)
(إِن عقلا يظنّ أَنِّي بعقلي ... كنت فِي زلقتي لعقلٌ ضَعِيف)
قَالَ أَبُو الْخطاب الحبلي كَانَ ابْن بشر على خبث لِسَانه كثير الهجاء ليعقوب بن كلس الْوَزير مغرىً بهجائه وَكَانَ يبلغهُ ذَلِك عَنهُ فيحقده عَلَيْهِ وَكَانَ لِابْنِ كلس نديمٌ يعرف بالزلازلي وَكَانَ يدْخل إِلَى الْعَزِيز فيمازحه فِي خلواته فَقَالَ لَهُ يَوْمًا يَا زلازلي أَنْشدني أَبْيَات ابْن بشرٍ فِيك من مخلع الْبَسِيط
(مَا غَابَ يَعْقُوب عَن مكانٍ ... يحضر فِيهِ الزلازلي)
فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن أَنا حَتَّى أهجي هَذَا قد هجاك وهجا وزيرك فَقَالَ بِمَاذَا قَالَ بقوله من الوافر
(تنصر فالتنصر دين حقٍّ ... عَلَيْهِ زَمَاننَا هَذَا يدل)