وإحسان شكرته فأنطقني وسيدٌ فقدته فأقلقني فَإِن عَاقَبت فبحقك وَإِن عَفَوْت فبفضلك فَدَمَعَتْ عين الْمَأْمُون وَقَالَ قد عَفَوْت عَنْك وَأمرت بإدرار رزقك عَلَيْك وإعطائك مَا فَاتَ مِنْهَا وَجعلت عُقُوبَة ذَنْبك امتناعي عَن استخدامك
وللحسين بن الضَّحَّاك مَعَ أبي نواس أخبارٌ ونوادر قَالَ الْحُسَيْن أنشدت أَبَا نواس قولي من المنسرح وشاطري اللِّسَان مختلق التكريه شَاب المجون بالنسك حَتَّى بلغت قولي
(كَأَنَّمَا نصب كأسه قمرٌ ... يكرع فِي بعض أنجم الْفلك)
قَالَ فأنشدني لنَفسِهِ بعد أَيَّام من الطَّوِيل
(إِذا عب فِيهَا شَارِب الْقَوْم خلته ... يقبل فِي داجٍ من اللَّيْل كوكبا)
قَالَ فَقلت لَهُ يَا أَبَا عَليّ هَذِه مصالتةٌ قَالَ أفتظن أَن يرْوى لَك فِي الْخمر معنى جيدٌ وَأَنا حَيّ
وَلما ولي المعتصم الْخلَافَة سَأَلَ عَن الْحُسَيْن بن الضَّحَّاك فَأخْبر بمقامه بِالْبَصْرَةِ لانحراف الْمَأْمُون عَنهُ فَأمر بقدومه عَلَيْهِ فَلَمَّا دخل سلم وَاسْتَأْذَنَ فِي الإنشاد فَأذن لَهُ فأنشده من الْكَامِل
(هلا رحمت تلدد المشتاق ... ومننت قبل فِرَاقه بتلاق)
(إِن الرَّقِيب ليستريب تنفسي ... صعداً إِلَيْك وَظَاهر الإقلاق)
(نَفسِي الْفِدَاء لخائفٍ مترقب ... جعل الْوَدَاع إِشَارَة بعناق)
(إِذْ لَا مقَال لمفحمٍ متحيرٍ ... إِلَّا الدُّمُوع تصان بالإطراق)
)
حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله من الْكَامِل
(خير الْوُفُود مبشرٌ بخلافةٍ ... خصت ببهجتها أَبَا إِسْحَاق)
(وافته فِي الشَّهْر الْحَرَام سليمةٌ ... من كل مشكلة وكل شقَاق)
(سكن الزَّمَان إِلَى الإِمَام سَلامَة ... عف الضَّمِير مهذب الْأَخْلَاق)
(فحمى رَعيته ودافع دونهَا ... وأجار مملقها من الإملاق)
حَتَّى أتمهَا فَقَالَ لَهُ المعتصم أدن مني فَدَنَا مِنْهُ فَمَلَأ فَمه جوهراً من جَوْهَر كَانَ بَين يَدَيْهِ ثمَّ أمره أَن يُخرجهُ من فَمه فَأخْرجهُ وَأمر أَن ينظم وَيدْفَع إِلَيْهِ وَيخرج إِلَى النَّاس وَهُوَ فِي يَده ليعلم النَّاس موقعه من رَأْيه ويعفوا ثَمَرَة إحسانه
وَمن شعره من الهزج
(أيا من طرفه سحر ... وَيَا من رِيقه خمر)