فندب لَهُ عبيد الله بن زِيَاد عمر بن سعد بن أبي وَقاص فَقَاتلهُمْ فَقَالَ الْحُسَيْن يَا عمر اختر مني إِحْدَى ثَلَاث إِمَّا تتركني أرجع أَو تسيرني إِلَى يزِيد فأضع يَدي فِي يَده فَيحكم فِي مَا يرى فَإِن أَبيت فسيرني إِلَى التّرْك فأقاتلهم حَتَّى أَمُوت فَأرْسل عمر بذلك إِلَى ابْن زِيَاد فهم أَن يسيره إِلَى يزِيد فَقَالَ شمر بن ذِي الجوشن لَا أَيهَا الْأَمِير إِلَّا أَن ينزل على حكمك)
فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ الْحُسَيْن وَالله لَا أفعل وَأَبْطَأ عمر عَن قِتَاله فَأرْسل إِلَيْهِ ابْن زِيَاد شمراً وَقَالَ إِن تقدم عمر وَقَاتل وَإِلَّا فاقتله وَكن مَكَانَهُ
فقاتلوه إِلَى أَن أَصَابَهُ سهمٌ فِي حنكه فَسقط عَن فرسه فَنزل الشمر وَقيل غَيره فاحتز رَأسه إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَقتل مَعَه يَوْم عَاشُورَاء إخْوَته بَنو أَبِيه جَعْفَر وعتيق وَمُحَمّد وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر بَنو عَليّ وَابْنه الْأَكْبَر عَليّ وَهُوَ غير عَليّ زين العابدين وَابْنه عبد الله بن الْحُسَيْن وَابْن أَخِيه الْقَاسِم بن الْحسن وَمُحَمّد بن عبد الله بن جَعْفَر ابْن أبي طَالب وَأَخُوهُ عون وَعبد الله وَعبد الرَّحْمَن ابْنا مُسلم بن عقيل رَضِي الله عَنْهُم
وَحمل رَأس الْحُسَيْن إِلَى يزِيد فَوَضعه فِي طستٍ بَين يَدَيْهِ وَجعل ينكت ثناياه بقضيبٍ فِي يَده وَيَقُول إِن كَانَ لحسن الثغر فَقَالَ لَهُ زيد ابْن أَرقم ارْفَعْ قضيبك فطالما رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلثم مَوْضِعه فَقَالَ إِنَّك شيخ قد خرفت فَقَامَ زيدٌ يجر ثَوْبه
وَعَن مُحَمَّد بن سوقة عَن عبد الْوَاحِد الْقرشِي قَالَ لما أُتِي يزِيد بِرَأْس الْحُسَيْن تنَاوله بقضيب فكشف عَن ثناياه فوَاللَّه مَا الْبرد بأبيض من ثناياه ثمَّ قَالَ من الطَّوِيل
(نفلق هاماً من رجالٍ أعزةٍ ... علينا وهم كَانُوا أعق وأظلما)
فَقَالَ لَهُ رجل كَانَ عِنْده يَا هَذَا ارْفَعْ قضيبك فوَاللَّه لربما رَأَيْت هُنَا شفتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرفعه متذمماً عَلَيْهِ مغضباً
وَذكر ابْن سعد أَن جسده دفن حَيْثُ قتل وَأَن رَأسه كَفنه يزِيد وأرسله إِلَى الْمَدِينَة فَدفن عِنْد قبر فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا
وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ثمَّ علق الرَّأْس على مَا قيل بِدِمَشْق ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ مكث الرَّأْس فِي خَزَائِن السِّلَاح حَتَّى ولي سُلَيْمَان الْخلَافَة فَبعث فجيء بِهِ وَقد بَقِي عظما أَبيض فَجعله فِي سفطٍ وطيبه وكفنه وَدَفنه فِي مَقَابِر الْمُسلمين فَلَمَّا دخلت المسودة نبشوه وأخذوه وَالله أعلم بمكانه الْآن من ذَلِك الْوَقْت
قلت وَبَعْضهمْ زعم أَن الْخُلَفَاء الفاطميين لما كَانُوا بِمصْر تَتبعُوهُ فوجدوه فِي علبة رصاص بعسقلان فَحَمَلُوهُ إِلَى مصر وجعلوه فِي الْمَكَان الَّذِي هُوَ الْيَوْم مَعْرُوف بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ ذَلِك عِنْدهم فِي دَاخل الْقصر يزورونه وَالله أعلم)