لَهَا يَوْمًا إِنِّي صائر إِلَيْك غَدا
فَلَمَّا اراد التَّوَجُّه إِلَيْهَا اعترضته حظيَّة أُخْرَى فَدخل عَلَيْهَا وَأقَام عِنْدهَا فشقَّ ذَلِك على ذَات الْخَال وَقَالَت وَالله لأغيظنّه فدعَتْ بمقراضٍ وقصّت خالها وَقيل أَن الْخَال كَانَ على خدّها فشق ذَلِك عَلَيْهِ ودعا بالعبّاس بن الْأَحْنَف وَحكى لَهُ الْوَاقِعَة وَقَالَ إصنع فِي ذَلِك شَيْئا فَقَالَ من الطَّوِيل
(تخلَّصت ممّن لم يكن ذَا حفيظةٍ ... وملت إِلَى من لَا يغيِّره حَال)
(فَإِن كَانَ قطع الْخَال لما تطلَّعت ... إِلَى غَيرهَا نَفسِي فقد ظلم الْخَال)
فَنَهَضَ إِلَيْهَا مسترضياً وَأمر للعبّاس بألفي دينارٍ وغنّاه إِبْرَاهِيم الموصليّ وَقَالَ لَهَا الرشيد يَوْمًا أَسأَلك عَن شيءٍ فَإِن صدقتني وَإِلَّا صدقني غَيْرك قَالَت أَنا أصدقك قَالَ هَل كَانَ بَيْنك وَبَين إِبْرَاهِيم الْموصِلِي شَيْء قطّ وَأَنا أحلفه فيصدقني فتلكأت سَاعَة ثمَّ قَالَت نعم مرّة وَاحِدَة فأبغضها)
وَقَالَ يَوْمًا فِي مَجْلِسه أَيّكُم لَا يُبَالِي أَن يكون كشخان حَتَّى أهب لَهُ ذَات الْخَال فبادر حمَّويه الوصيف فَقَالَ أَنا فَوَهَبَهَا لَهُ ثمَّ إِنَّه اشتاقه يَوْمًا بعد ذَاك فَقَالَ يَا حمَّويه وَيحك أوهبنا لَك الْجَارِيَة على أَن تسمع غناءها وَحدك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مر فِيهَا بِأَمْرك قَالَ نَحن غَدا عنْدك فَمضى واستعدّ لذَلِك واستعار لَهَا من الجوهرييِّن بَدَنَة وعقوداً ثمنهَا اثْنَا عشر ألف دينارٍ وأخرجها للرشيد وَهُوَ عَلَيْهَا فَأنكرهُ وَقَالَ وَيلك يَا حمَّويه من أَيْن لَك هَذَا وَمَا ولَّيتك عملا تكسب فِيهِ مثله وَلَا وصل إِلَيْك منى هَذَا الْقدر فَصدقهُ عَن أمره فَبعث الرشيد إِلَى أَصْحَاب الْجَوْهَر فأحضرهم وَاشْترى الْجَوْهَر مِنْهُم ووهبه لَهَا ثمَّ حلف أَن لَا تسأله فِي يَوْمه حَاجَة إِلَّا قَضَاهَا فَسَأَلته أَو يولِّي حمَّويه الْحَرْب وَالْخَرَاج بِفَارِس سبع سِنِين فَفعل ذَلِك وَكتب لَهُ عَهده وَشرط على وليِّ الْعَهْد بعده أَن يتممها لَهُ إِن لم تتمَّ فِي حَيَاته وَمن شعر إِبْرَاهِيم الموصليّ فِيهَا من الْبَسِيط
(مَا بَال شمس أبي الخطّاب قد حجبت ... يَا صاحبيّ أظنُّ السَّاعَة اقْتَرَبت)
(أَولا فَمَا بَال ريحٍ كنت أنسمها ... عَادَتْ عليّ بصدٍّ بعد مَا جنبت)
(إِلَيْك أَشْكُو أَبَا الْخطاب جَارِيَة ... غريرةً بفؤادي الْيَوْم قد لعبت)
(وَأَنت قيِّمها الأحفى وسيِّدها ... يَا ليتها قربت منى وَمَا عزبت)
أَبُو الْخطاب هُوَ قرين النخّاس مَوْلَاهَا وَمِنْه أَيْضا فِيهَا من الطَّوِيل
(أتحسب ذَات الْخَال راجيةً ربّا ... وَقد سلبت قلباً يهيم بهَا حبّا)
(وَمَا عذرها نَفسِي فداها وَلم تدع ... على أعظمي لَحْمًا وَلم تبْق لي لبّا)