أَهله من أَمِيرهمْ إِلَّا هَؤُلَاءِ وَلَا شكّ أَنه أسكتهم عدله وَكَانَ إِذا جَالس ندماءه لَا يتَمَيَّز عَلَيْهِم وَكَانَ عفيفاً نزهاً صائناً عَن الْفَوَاحِش كلهَا فيحكى أَنه لحقه أسر الْبَوْل فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت عصيتك بفرج فَلَا تعاقبني وَإِن كنت لم أعصك بفرج قطّ فعافني فشفي وَيُقَال)
إِنَّه مَا فَاه قطّ بِكَلِمَة تسْقط الْمُرُوءَة فِي حَال صحوه وَلَا فِي حَال سكره وَكَانَ كرمه فائضاً وعطاؤه وَاسِعًا ولقاؤه جميلاً وَكَلَامه معسولاً وَكَانَ أديباً راوية للشعر حفظَة للحكايات والنوادر مليح النكت حاد الخاطر يحْكى أَنه غنته بعض مطرباته يَوْمًا
(أَنا عبد نِعْمَتك الَّتِي مَلَأت يَدي ... وربيب مغناك الَّذِي أغناني)
فَقَالَ لَهَا أَنا عبد نغمتك بالغين الْمُعْجَمَة وَيُقَال إِنَّه استقبلته مرّة هرة وَثَبت إِلَى أعطافه وطاشت إِلَى وَجهه وخدشت عرنينه فَأَنْشد
(أما إِنَّه لَو كَانَ غَيْرك أرقلت ... إِلَيْهِ القنا بالراعفات اللهاذم)
وَلما خرج سرخاب بن كيخسرو الديلمي من طَاعَة السُّلْطَان مُحَمَّد بن ملكشاه وفارقه بساوة ولجأ إِلَى سيف الدولة صَدَقَة فأجاره وَكتب إِلَى السُّلْطَان عَن لِسَان سرخاب يستعطفه بِهَذِهِ الأبيات
(هبني كَمَا زعم الواشون لَا زَعَمُوا ... أذنبت حاشاي أَو زلت بِي الْقدَم)
(وهبك ضَاقَ لَك الْإِنْصَاف عَن جرم ... أجرمته أيضيق الْعَفو وَالْكَرم)
(مَا أنصفتني فِي حكم العلى أذنٌ ... تصغي لواشٍ وَعَن عُذْري بهَا صمم)
فَلم يُؤثر ذَلِك عِنْد السُّلْطَان لكبير جرمه وَكَاتب سيف الدولة بإرساله وَسيف الدولة يعْتَذر بذمامه وَلم يزل الْأَمر بَينهمَا إِلَى أَن أغْلظ لَهُ السُّلْطَان وتوعده وَهُوَ مُقيم على الْوَفَاء بذمامه فقصده السُّلْطَان فِي عساكره وَخرج سيف الدولة فِي خيله وَرجله وحامته وَأَهله وَلم يزل فِي الذب عَن سرخاب إِلَى أَن أَتَاهُ حِينه وأزف بَينه وانكشفت الْحَرْب عَنهُ مقتولاً وانتهب حريمه وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة بزرفيمياء على دجلة بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَمُدَّة إمارته اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر غير ثَلَاثَة أَيَّام وَحمل رَأسه إِلَى بَغْدَاد وطيف بِهِ على رمح ودفنت جثته والحلة اختطها صَدَقَة سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وسكنها النَّاس وتفرق أَوْلَاده فِي الْبِلَاد قَالَ وَلَده بدران يرثيه
(يَا راكبان من الشآ ... م إِلَى الْعرَاق تحسسا لي)
(إِن جئتما حلل الكرا ... م ومركز الأسل الطول)
(قولا لَهَا بعد السلا ... م وَقبل تصفيف الرّحال)