عَمْرو أَمِير إشبيلية ابْن قاضيها أبي الْقَاسِم وَقد تقدم ذكر وَالِده وَلما توفّي أَبوهُ قَامَ المعتضد بعده بِالْأَمر وَكَانَ شهماً صَارِمًا وخوطب بأمير الْمُؤمنِينَ دَانَتْ لَهُ الْمُلُوك اتخذ خشباً فِي قصره وجللها برؤوس مُلُوك وأعيان ومقدمين وَكَانَ يشبه بِأبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَكَانَ ابْنه ولي الْعَهْد إِسْمَاعِيل قد هم بِقَبض أَبِيه فَلم يتم لَهُ ذَلِك وَضرب أَبوهُ عُنُقه وطالت أَيَّامه إِلَى أَن توفّي فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة يُقَال إِن ملك الفرنج سمه فِي ثِيَاب بعثها إِلَيْهِ وَقَالَ فِيهِ الحجاري وَهَذَا الرؤوف العطوف الدمث الْأَخْلَاق الألوف مَا مَاتَ حَتَّى قبض أَرْوَاح ندمائه وخواصه بِيَدِهِ وَلم يكلهم إِلَى غَيره وَلَا أحوجهم إِلَى الْحَاجة بعده فجزي عَنْهُم بِمَا هُوَ أَهله وَكَانَ قد عرف مِنْهُ ذَلِك واشتهر فَصَارَ الأدباء يتحامونه وَلما وَفد أَبُو عبد الله ابْن شرف القيرواني على الأندلس تطلعت إِلَيْهِ همم مُلُوكهَا لبعد صيته فَكَانَ مِمَّن استدعاه المعتضد ابْن عباد وَكَانَ ابْن شرف قد امْتَلَأت مسامعه من أخباره الشنيعة فجاوبه بقوله الْبَسِيط
(أإن تصيدت غَيْرِي صيد طائرة ... أوسعتها الْحبّ حَتَّى ضمهَا القفص)
(حسبتني فرْصَة أُخْرَى ظَفرت بهَا ... هَيْهَات مَا كل حِين تمكن الفرص)
(لَك الموائد للقصاد مترعة ... تروي وتشبع لَكِن بعْدهَا الْغصَص)
وَمن شنيع مَا رُوِيَ عَنهُ أَن غُلَاما دون الْبلُوغ دخل عَلَيْهِ بِغَيْر اسْتِئْذَان فَقطع رَأسه وَسمع)
جَارِيَة تَقول الْقَبْر وَالله أحسن من سُكْنى هَذَا الْقصر فَقَالَ وَالله لأبلغنك مَا طلبته وَأمر فدفنت حَيَّة وتعجب النَّاس من وزيره ابْن زيدون كَيفَ انْفَرد بالسلامة مِنْهُ فَقَالَ كنت كمن يمسك بأذني الْأسد يَتَّقِي سطوته تَركه أَو أمْسكهُ وَفِيه يَقُول عِنْد مَوته الطَّوِيل
(لقد سرنا أَن الْجَحِيم مُوكل ... بطاغية قد حم مِنْهُ حمام)
(تجانف صوب المزن عَن ذَلِك الصدى ... وَمر عَلَيْهِ الْغَيْث وَهُوَ جهام)
وللمعتضد شعر مدون فَمِنْهُ المنسرح
(كَأَنَّمَا ياسميننا الغض ... كواكب فِي السَّمَاء تنقض)
(والطرق الْحمر فِي جوانبه ... كخد عذراء مَسهَا عض)
وَمِنْه الْكَامِل المجزوء
(اشرب على وَجه الصَّباح ... وَانْظُر إِلَى نور الأقاح)
(وَاعْلَم بأنك جَاهِل ... إِن لم تقل بالإصطباح)
...