الأَرْض وَكَانَ يَقُول مَا فِي قلبِي حسرة إِلَّا أَن ابْن البيساني مَا تمرغ على عتباتي يَعْنِي القَاضِي الْفَاضِل وَكَانَ ابْنه يحضر عِنْده وَهُوَ يشتمه فَلَا يتَغَيَّر وداراه أحسن مداراة وبذل لَهُ أَمْوَالًا جمةً وَعرض لَهُ إسهالٌ وزحير أنهكه حَتَّى انْقَطع ويئس الْأَطِبَّاء مِنْهُ فاستدعى من حَبسه عشرَة من شُيُوخ الْكتاب وَقَالَ أَنْتُم تشتمون بِي وَركب عَلَيْهِم المعاصير وَهُوَ يزحر وهم يصيحون إِلَى أصبح وَقد خف مَا بِهِ وَركب فِي ثَالِث يومٍ وَكَانَ يقف الرؤوساء على بَابه من نصف اللَّيْل وَمَعَهُمْ المشاعل والشمع ويركب عِنْد الصَّباح فَلَا يراهم وَلَا يرونه إِمَّا أَنه يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَإِمَّا يعرج إِلَى طريقٍ أُخْرَى وَفِيه يَقُول شرف الدّين ابْن عنين فِيمَا أَظن من الْخَفِيف
(ضَاعَ شعري وَقل فِي النَّاس قدري ... من لزومي بَاب اللَّئِيم ابْن شكر)
)
(لَو أَتَتْهُ حوالةٌ بخراه ... قَالَ سدوا بلحيتي بَاب جحري)
وَفِيه يَقُول من السَّرِيع
(ونعمةٍ جَاءَت إِلَى سلفةٍ ... أبطره الإثراء لما ثرا)
(فَالنَّاس من بغضٍ لَهُ كلما ... مر عَلَيْهِم لعنُوا شاورا)
(تَبًّا لمصر وَلها دولةً ... مَا رفعت فِي النَّاس إِلَّا خرا)
وَمِمَّا قيل فِيهِ وَقد عزل من الْخَفِيف أَيْن غلمانك المطيفون بالبغلة والرافعون للأثواب
(ردك الدَّهْر كالنداء على الني ... ل بِلَا حاجبٍ وَلَا بواب)
وَكَانَ السَّبَب فِي انحرافه عَن القَاضِي الْفَاضِل رَحمَه الله تَعَالَى مَا قَالَه القَاضِي الْفَاضِل وَهُوَ وَأما ابْن شكر فَهُوَ لَا يشْكر وَإِذا ذكر النَّاس كَانَ كَانَ الشَّيْء الَّذِي لَا يذكر فَقيل للفاضل مَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي لَا يذكر قَالَ الشَّيْء الَّذِي لَا يذكر وَتُوفِّي الْفَاضِل رَحمَه الله وَقد عصمه الله مِنْهُ لم يُمكنهُ مِنْهُ على مَا يَأْتِي فِي تَرْجَمَة القَاضِي الْفَاضِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي ابْن شكر يَقُول ابْن شمس الْخلَافَة وَقيل إِنَّه قَالَ ذَلِك فِي الْفَاضِل من الْكَامِل
(مدحتك أَلْسِنَة أَنَام مَخَافَة ... وتقارضت لَك فِي الثَّنَاء الْأَحْسَن)
(أَتَرَى الزَّمَان مُؤَخرا فِي مدتي ... حَتَّى أعيش إِلَى انطلاق الألسن)
وَقيل إِنَّه عَاشَ بعده وَانْطَلق لِسَانه فِيهِ ثمَّ إِنَّه تمنى أَن يكون قد عَاشَ إِلَى أنطلاق الألسن
ولشعراء عصره فِيهِ أمداحٌ طنانة مليحة إِلَى الْغَايَة فَمِمَّنْ امتدحه ابْن الساعاتي وان سناء الْملك وَابْن عنين وَغَيرهم والأمداح مَوْجُودَة فِي دواوينهم