وَكَانَ العرجي قد هجاه قبل ذَلِك هجواً كثير لما ولاه هِشَام الْحَج وتشبب بِأُمِّهِ وَامْرَأَته فأمض ذَلِك مُحَمَّدًا وَلم يزل يطْلب عثراته حَتَّى وجدهَا فَلَمَّا وجد هَذِه الْحجَّة عَلَيْهِ أَخذه وَأخذ مَعَه الْحصين الْحِمْيَرِي وجلدهما وصب على رؤوسهما الزَّيْت وأقامها فِي الحناطين بِمَكَّة فَقَالَ العرجي أبياتاً مِنْهَا من الوافر
(وَكم من عاكبٍ حوراء بكرٍ ... أُلُوف السّتْر وَاضِحَة التراقي)
(بَكت جزعاً وَقد سمرت كبولي ... وجامعةٌ يشد بهَا خناقي)
ثمَّ حَبسه بعد الْجلد وَأقسم لَا يخرج من حَبسه مَا دَامَ لَهُ سلطانٌ فَمَكثَ فِي حَسبه تسع سِنِين)
حَتَّى مَاتَ فِيهِ وَلما ولي الْخلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد قبض على مُحَمَّد بن هِشَام وأخيه إِبْرَاهِيم وأشخصهما إِلَى الشَّام ودعا بالسياط فَقَالَ مُحَمَّد أَسأَلك بِالْقَرَابَةِ فَقَالَ الْوَلِيد وَأي قرابةٍ بيني وَبَيْنك هَل أَنْت إِلَّا من أَشْجَع فَقَالَ فأسألك بصهر عبد الْملك قَالَ لَهُ لم تحفظه قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يضْرب قرشيٌّ بالسياط إِلَّا فِي حد
قَالَ فَفِي حدٍّ أضربك وقودٍ أَنْت أول من سنّ ذَلِك على العرجي وَهُوَ ابْن عمي وَابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَمَا رعيت حق جده وَلَا نسبه بِهِشَام وَأَنا ولي ثَأْره إضراب يَا غُلَام فضربهما ضربا مبرحاً وأثقلا بالحديد ووجها إِلَى يُوسُف بن عمر بِالْكُوفَةِ وَأمره باستصفائهما وتعذيبهما حَتَّى يتلفا فعذبهما عذَابا شَدِيدا وَأخذ مِنْهُمَا مَالا عَظِيما وَمَاتَا تَحت الْعَذَاب وَكَانَ من الفرسان الْمَعْدُودين مَعَ مسلمة بن عبد الْملك بِأَرْض الرّوم وَكَانَ قد اتخذ غلامين فَإِذا كَانَ اللَّيْل نصب قدوره وَقَامَ الغلامان يوقدان النَّار فَإِذا نَام واحدٌ قَامَ الآخر فَلَا يزَالَانِ كَذَلِك حَتَّى يصبحا يَقُول لَعَلَّ طَارِقًا يطْرق وَكَانَ غازياً فَأصَاب النَّاس مجاعةٌ فَقَالَ للتجار أعْطوا النَّاس وَعلي مَا تعطون فَلم يزل يعطيهم وَيطْعم النَّاس حَتَّى أخصبوا فَبلغ عشْرين ألف دِينَار فألزمها العرجي نَفسه وَبلغ الْخَبَر عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ بَيت المَال أَحَق بِهَذَا فَقضى التُّجَّار من بَيت المَال وَمن شعره من الْكَامِل
(باتا بأنعم ليلةٍ حَتَّى إِذا ... صبحٌ تلوح كالأغر الْأَشْقَر)
(فتلازما عِنْد الْفِرَاق صبَابَة ... أَخذ الْغَرِيم بِفضل الْمُعسر)
وَمِنْه من الطَّوِيل
(أماطت كسَاء الْخَزّ عَن حر وَجههَا ... وأدنت على الْخَدين بردا مهلهلا)
(من اللاء لم يحججن يبغين حسبَة ... وَلَكِن ليقْتلن البريء المغفلا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute