الْأمَوِي أَخُو مُحَمَّد الْمهْدي توفّي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة وَكَانَ قد ولي بعد الْقَاسِم ابْن حمود يَوْم الثُّلَاثَاء السَّادِس عشر من شهر رَمَضَان سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة ويكنى أَبَا المظفر بالمستظهر
وَكَانَ من أمره أَنه لم يزل مستخفياً فِي دولة العلويين وَله دعاة يَأْخُذُونَ الْبيعَة من النَّاس فَلَمَّا ثار أهل قرطبة على ابْن حمود وأخرجوه اجْتَمعُوا إِلَى الْجَامِع وَحضر أَرْبَاب الدولة وَكَانُوا قد عزموا على مبايعة سُلَيْمَان بن المرتضى وَكَتَبُوا كتاب الْبيعَة باسمه فَأقبل جمَاعَة من الْعَامَّة شاهرين سيوفهم معلنين باسم المستظهر أبي المظفر عبد الرَّحْمَن فدهش الَّذين كَانُوا قد بَايعُوا ابْن المرتضى وكشطوا اسْمه وَكتب اسْم المستظهر وَتمّ لَهُ الْأَمر إِلَّا أَنه أَخطَأ من جِهَة السياسة فِي قصتين الأولى أَنه ظهر بِقرب البربر وهم أَعدَاء أهل قرطبة فأحقد الْعَامَّة بذلك وَالثَّانيَِة أَن ابْن عمرَان كَانَ رجل فتْنَة مارداً من مَرَدَة الْإِنْس فأشير عَلَيْهِ بحبسه فحبسه واستصفى مَاله ثمَّ شفع إِلَيْهِ فِيهِ فَأَطْلقهُ فَقَالَ لَهُ أحد أَصْحَابه إِن مَشى ابْن عمرَان فِي غير حَبسك باعاً بتر من عمرك عَاما فَلم يصغ إِلَى قَوْله وَأطْلقهُ فشرع فِي التأليب عَلَيْهِ وجلب الْحِين من كل جِهَة إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ ابْن عمرَان الْمَذْكُور مَعَ جمَاعَة كَثِيرَة من الْعَامَّة فَقتلُوا المستظهر فِي الْيَوْم الثَّالِث من إِطْلَاقه وَهُوَ يَوْم السبت لثلاث خلون من ذِي الْقعدَة من سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مائَة وَكَانَت مُدَّة ملكه سَبْعَة وَأَرْبَعين يَوْمًا وعمره ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة
قَالَ ابْن بسام وَبِه ختم فضلاء أهل بَيته وَكَانَ جواداً مجيداً فِي الشّعْر ذَا بديهة وعلو همة
رفع إِلَيْهِ شَاعِر مِمَّن هنأه بالخلافة يَوْم بيعَته شعرًا مَكْتُوبًا فِي رق مبشور وَاعْتذر عَن إِنْفَاذه الأبيات فِي ذَلِك الرّقّ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وهما الْكَامِل
(الرّقّ مبشور وَفِيه بِشَارَة ... ببقا الإِمَام الْفَاضِل المستظهر)
(ملك أعَاد الْملك غضا شخصه ... وَكَذَا يكون بِهِ طوال الأدهر)
فَأمر بتوفر صلته وَوَقع فِي الْحَال خلف رقعته الوافر)
(قبلنَا الْعذر فِي بشر الْكتاب ... لما أحكمت من فصل الْخطاب)
(وجدنَا بالندى مِمَّا لدينا ... على قدر الْوُجُود بِلَا حِسَاب)
(فَنحْن المطلعون بِلَا امتراء ... شموس الْمجد من فلك الثَّوَاب)
وَمن مستحسن شعره قَوْله وَقد مر بابنة عَمه حَبِيبَة الَّتِي كَانَ يهواها فَسلم عَلَيْهَا فَلم ترد عَلَيْهِ السَّلَام خجلاً الطَّوِيل
(سلامٌ على من لم يجد بسلامه ... وَلم يرني أَهلا لرد كَلَامه)
(ألم تعلمي يَا عذبة الِاسْم أنني ... فَتى فِيك مخلوع عذار لجامه)