وَقيل إِن الْعَزِيز هوى قينة شغلته عَن مَصَالِحه فَأمره أَبوهُ بِتَرْكِهَا فشق ذَلِك عَلَيْهِ وضاق صَدره وَلم يجْتَمع بهَا فسيرت لَهُ مَعَ بعض الخدم كرة عنبر فَكَسرهَا فَوجدَ فِيهَا زر ذهب ففكر فِي ذَلِك وَلم يعرف مَعْنَاهُ وَعرف الْفَاضِل الصُّورَة فنظم الْفَاضِل بَيْتَيْنِ وجهزهما إِلَيْهِ وهما السَّرِيع
(أَهْدَت لَك العنبر فِي وَسطه ... زر من التبر خَفِي اللحام)
(فالزر فِي العنبر مَعْنَاهُمَا ... زر هَكَذَا مختفياً فِي الظلام)
قَالَ شمس الدّين مَحْمُود الْمروزِي كنت يَوْمًا بِحَضْرَة القَاضِي الْفَاضِل وَكَانَ الْعِمَاد الْكَاتِب)
عِنْده فَلَمَّا انْفَصل قَالَ الْفَاضِل للْجَمَاعَة بِمَ تشبهون الْعِمَاد وَكَانَت عِنْده فَتْرَة عَظِيمَة وجمود فِي النّظر وَالْكَلَام فَإِذا أَخذ الْقَلَم أَتَى بالنظم والنثر فكلهم شبه بِشَيْء فَقَالَ لَهُم مَا أصبْتُم هُوَ كالزناد ظَاهره بَارِد وباطنه فِيهِ نَار وَقَالَ لَهُ الْعِمَاد الْكَاتِب يَوْمًا سر فَلَا كبا بك الْفرس فَقَالَ الْفَاضِل دَامَ عَلَاء الْعِمَاد
وَمن كَلَام الْفَاضِل فِي هَذِه الْمَادَّة أَعنِي مَا يقْرَأ مقلوباً فَلَا يتَغَيَّر قَوْله أبدا لَا تدوم إِلَّا مَوَدَّة الأدباء قلت وَلَا يعلم أَن كَاتبا بلغ من الرُّتْبَة عِنْد مخدومه مَا بلغه الْفَاضِل عِنْد صَلَاح الدّين حَتَّى أَنه كَانَ يَقُول مَا فتحت الْبِلَاد بالعساكر إِنَّمَا فتحتها بأقلام القَاضِي الْفَاضِل وَعمل الْخُلَفَاء على أَخذه مِنْهُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُم يطلبونه لأمور لَا تقال إِلَّا للْقَاضِي الْفَاضِل فِي مَا يتَعَلَّق بالفتوحات فَأذن لَهُ فَقَالَ لَهُ السَّلَام عَلَيْك هُوَ آخر الْعَهْد بك ثمَّ دَافع عَنهُ وَاعْتذر بضعفه فَعَلمُوا عَلَيْهِ لما حج وَأَرَادُوا أَخذه غصبا فَتعذر ذَلِك وَيُقَال إِن النَّاصِر الإِمَام لما توفّي صَلَاح الدّين كتب إِلَى الْفَاضِل أَو أرسل إِلَيْهِ يَقُول لَهُ أَي من كَانَ فِي أَوْلَاد صَلَاح الدّين يصلح للْملك وَله الْأَمر وَحكى شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين عبد الْعَزِيز الْأنْصَارِيّ قَالَ لما مرض السُّلْطَان صَلَاح الدّين بحران مَرضا شَدِيدا حَتَّى حصل الْيَأْس مِنْهُ وَبَقِي أَيَّامًا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب فَدخل عَلَيْهِ القَاضِي ضِيَاء الدّين الشهرزوري عَائِدًا فَبكى السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ ضِيَاء الدّين يَا مَوْلَانَا مثلك مَا يسامح أَنْت ربيت بَين سمر الرماح وبيض الصفاح وَعرضت نَفسك على الْمَوْت مرَارًا فِي عدَّة حروب وَأَنت الْآن تفزع من الْمَوْت وَأَنت فِي هَذَا السن فَقَالَ وَالله مَا خطر لي هَذَا ببال وَلَكِن فَكرت السَّاعَة فِي القَاضِي الْفَاضِل كَيفَ يكون إِذا بلغته وفاتي فَأَشْفَقت عَلَيْهِ لعلمي بِهِ وَمَا يجده من أَجلي
وَرَأَيْت من تمكن الْفَاضِل عِنْد السُّلْطَان فصلا كتبه فِي معنى الْعَادِل أخي السُّلْطَان وَكَانَ الْعَادِل يكره الْفَاضِل لِأَنَّهُ أَخذ حلب مِنْهُ وَأَعْطَاهَا للعزيز عُثْمَان وَبلغ الْخَادِم أَن الْمولى الْعَادِل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute