كَانَ بارعاً فِي الْفِقْه قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة حكى لي الْفِقْه عز الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام أَنه لم ير أفقه مِنْهُ وَعَلِيهِ كَانَ ابْتِدَاء اشْتِغَاله ثمَّ صحب الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر فَسَأَلته عَنْهُمَا فرجح ابْن الحرستاني انْتهى قلت وناهيك بِمن يثني عَلَيْهِ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام هَذَا الثَّنَاء وَقَالَ إِنَّه كَانَ يحفظ الْوَسِيط للغزالي ولي الْقَضَاء نِيَابَة بِدِمَشْق أَيَّام شرف الدّين بن أبي عصرون وَلما أضرّ شرف الدّين بَقِي هُوَ على نيابته مَعَ ابْنه محيي الدّين فَلَمَّا عزل وَولي محيي الدّين بن الزكي وَهُوَ شَاب انْقَطع ابْن الحرستاني فِي بَيته إِلَى أَن ولاه الْعَادِل قَضَاء الْقُضَاة وَأخذ مِنْهُ مدرستيه العزيزية والتقوية وَأعْطى التقوية لفخر الدّين بن عَسَاكِر وأضاف العزيزية إِلَى الْقَضَاء لِابْنِ الحرستاني واعتنى بِهِ الْعَادِل عناية كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة بِحَيْثُ أَنه جهز لَهُ مَا يفرش تَحْتَهُ فِي مجْلِس الحكم لضَعْفه وَكبره وَمَا يسْتَند إِلَيْهِ وَكَانَ يجلس للْحكم بمدرسة المجاهدية وناب عَنهُ بهَا ابْنه عماد الدّين عبد الْكَرِيم وَكَانَ يجلس بَين يَدَيْهِ فَإِذا قَامَ الشَّيْخ يسْتَند مَكَانَهُ ثمَّ أَنه مَنعه ذَلِك لشَيْء بلغه عَنهُ وناب عَنهُ أَيْضا أكَابِر شُيُوخ الْقُضَاة يَوْمئِذٍ شمس الدّين ابْن الشِّيرَازِيّ وَكَانَ يجلس قبالته فِي إيوَان المجاهدية وشمس الدّين ابْن سيني الدولة وبنيت لَهُ دكة فِي الزاوية الْقبلية بِقرب الْمدرسَة وَشرف الدّين الْموصِلِي الْحَنَفِيّ بِمَجْلِس الْمِحْرَاب بهَا وَبَقِي فِي الْقَضَاء نَحوا من سنتَيْن وَسَبْعَة أشهر وَلما)
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى كَانَت لَهُ جَنَازَة عَظِيمَة حفلة وَكَانَ لَهُ يَوْم توفّي رَحمَه الله تَعَالَى خمس وَتسْعُونَ سنة وَفِيه قَالَ شهَاب الدّين فتيَان الشاغوري الْبَسِيط
(يَا من تدرع فِي حمل الحمول وَيَا ... معانق الْهم فِي سر وإعلان)
(لَا تأنسا روح من نَادَى لذِي مائَة ... قَاضِي الْقُضَاة الْجمال ابْن الحرستاني)
يَعْنِي أَنه غَرِيب وَلِأَنَّهُ قَاضِي الْقُضَاة من هُوَ فِي هَذَا السن على أَنه امْتنع رَحمَه الله تَعَالَى من الْولَايَة لما طلب لَهَا فألزمه الْعَادِل بهَا وَكَانَ عادلاً فِي ولَايَته صَارِمًا وَكَانَ عديم الِالْتِفَات إِلَى شَفَاعَة الأكابر عِنْده
قَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ اتّفق أهل دمشق على أَنه مَا فَاتَهُ صَلَاة بِجَامِع دمشق فِي الْجَمَاعَة إِلَّا إِذا كَانَ مَرِيضا ينزل من الجويرة فِي سلم طَوِيل فَيصَلي وَيعود إِلَى دَاره وَمُصَلَّاهُ بِيَدِهِ وَكَانَ مقتصداً فِي ثِيَابه ومعيشته وَلم يدع أحدا من غلْمَان الْقُضَاة يمشي مَعَه وَقَالَ إِن الْعَادِل كتب لبَعض خواصه كتابا يوصيه فِي حُكُومَة بَينه وَبَين آخر فجَاء إِلَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ الْكتاب فَقَالَ إيش فِيهِ قَالَ وَصِيَّة بِي قَالَ أحضر خصمك فَأحْضرهُ وَالْكتاب بِيَدِهِ لم يَفْتَحهُ وَادّعى على الرجل فَظهر الْحق لغريمه فَقضى عَلَيْهِ ثمَّ فتح الْكتاب وقرأه وَرمى الْكتاب إِلَى حامله وَقَالَ كتاب الله قد قضى وَحكم على هَذَا الْكتاب فَمضى الرجل إِلَى الْعَادِل وَبكى بَين يَدَيْهِ وَأخْبرهُ بِمَا قَالَ فَقَالَ الْعَادِل صدق كتاب الله أولى من كتابي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute