للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِمَّا يحْكى من حلمه مَعَ أَن قَاعِدَة دولتهم لَا تناسب ذَلِك أَن شَاعِرًا قَالَ لما توالى الْقَحْط بمراكش فِي مُدَّة عبد الْمُؤمن يعرض لما كَانَ يرَاهُ من سفك الدِّمَاء مِمَّن خَالفه وَسبي الذَّرَارِي

(يطوف السَّحَاب بمراكش ... طواف الحجيج بِبَيْت الْحَرَام)

(يروم النُّزُول فَمَا يستط ... يع لسفك الدِّمَاء وَبيع الْحرم)

فَطلب الشَّخْص الْقَائِل للبيتين فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ أَنْت الْقَائِل لهذين الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا مقَام لَا يحْتَمل تَطْوِيل الْكَلَام فَإِن أَنا أنكرتهما لم تصدقني وَإِن أَقرَرت بهما قتلتني فَتَبَسَّمَ عبد الْمُؤمن وَأطْلقهُ ويحكى أَنه سَأَلَ أَصْحَابه عَن مَسْأَلَة أَلْقَاهَا عَلَيْهِم فَقَالُوا لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا فَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهِم فَبلغ الْمجْلس بعض زهاد بَلَده فَكتب الزَّاهِد ورقة فِيهَا هَذَا البيتان

(يَا أَيهَا الَّذِي قهر الْأَنَام بِسَيْفِهِ ... مَاذَا يَضرك أَن تكون إِلَهًا)

)

(إلفظ بهَا فِيمَا لفظت فَإِنَّهُ ... لم يبْق شَيْء أَن تَقول سواهَا)

وتوصل إِلَى أَن وضعت الورقة تَحت سجادة عبد الْمُؤمن وَكَانَت عَادَته أَن يتفقد تَحت سجادته لوضع أوراق الْمَظَالِم الْخفية تحتهَا فَلَمَّا رأى الْبَيْتَيْنِ وجم الْملك وَعظم أَمرهمَا عَلَيْهِ وأفكر فِي سَبَب مَا قيلا فِيهِ فَذكر قَول أَصْحَابه لَهُ ذَاك الْيَوْم لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا فَعرف أَنه السَّبَب ثمَّ إِنَّه أفكر فِي قائلهما وَجعل يبْحَث عَنهُ فَلم يعرف بِهِ وَكَانَ عبد الْمُؤمن يتزيا بزِي الْعَامَّة ويقصد مَوَاضِع الْخَيْر وَالشَّر ليقف على الْحَقَائِق إِلَى أَن وَقعت يَوْمًا عينه على شيخ يعلوه شحوب وَعَلِيهِ سيماء الْخَيْر وَهُوَ يُطِيل النّظر فتفرس فِيهِ أَنه قَائِل الْبَيْتَيْنِ وباعثهما إِلَيْهِ فَأرْسل من أحضرهُ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ سرا أصدقني فقد تفرست فِيك أَنَّك كَاتب الورقة فَقَالَ أَنا هُوَ فَقَالَ لم فعلت ذَلِك قَالَ لم أقصد بِهِ إِلَّا صَلَاح دينك وَإِن أردْت فَسَاد دنياي فَأَنا بَين يَديك فَقَالَ لَا بل أصلح دنياك كَمَا أصلحت ديني وَدفع إِلَيْهِ ألف دِينَار وَقَالَ يكون رسمك أَن تنبهنا مَتى غفلنا وَتصْلح ديننَا فَامْتنعَ الشَّيْخ من أَخذ الذَّهَب فَقَالَ إِنَّهَا من جِهَة حل والمعطي هُوَ الله وَأَنا وَأَنت فِيهَا وَاسِطَة فاصرفها إِلَى مُسْتَحقّ

وَأورد بَعضهم لعبد الْمُؤمن ملك الْمغرب قَوْله

(ألْقى الْمنية فِي درعين قد نسجا ... من الْمنية لَا من نسج دَاوُد)

(إِن الَّذِي صور الْأَشْيَاء صورني ... بحراً من الْبَأْس فِي بَحر من الْجُود)

وَبَعض النَّاس نَسَبهَا لسديد الْملك أبي الْحسن عَليّ بن مقلد بن منقذ وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

وَلما دخل مراكش وسالت بهَا الدِّمَاء كمجاري المَاء وأباح أَصْحَابه أَمْوَال الملثمين قَالَ الْبَيْتَيْنِ الْمُتَقَدِّمين وَلَهُمَا ثَالِث وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>