اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسبع ماية فَقَالُوا لَهُ هَذَا فلَان يَشْتَهِي أَن يسمع مِنْك شَيْئا من نظمك فأنشدني فِي الْحَالة الراهنة من غير فكر وَلَا روية ثَلَاثَة أَبْيَات فِي الْجَامِع والقناديل الَّتِي علقت بِهِ لأجل النّصْف وذكراً لِقَوْمِهِ واجتماع النَّاس للفرجة فِيهِ كَأَنَّمَا كَانَ يحفظ ذَلِك ويكرر عَلَيْهِ وَمضى وَلم أحفظ الأبيات الْمَذْكُورَة
وَآخر عهدي بِهِ بحلب سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسبع ماية وَكَانَ قد أَخذ يعْمل مَجْلِسا يُفَسر فِيهِ الْقُرْآن الْكَرِيم أَخْبرنِي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ رَآنِي مرّة وَفِي يَدي كتاب لَهُ فَاتِحَة ذهب فأنشدني كَمَا أَنه يتحدث
(أَرَاك تنظر فِي شَيْء من الْكتب ... وَفِي أَوَائِله شَيْء من الذَّهَب)
(لَو شِئْت تصرف نَقْدا من فواتحه ... صرفت مِنْهُ دنانيراً بِلَا ريب)
فَوَهَبته الْكتاب وأنشدته
(خُذْهُ إِلَيْك بِمَا يحوي من الذَّهَب ... فَفِي ندى السحب لَا يخْشَى من اللهب)
(واضمم يَديك عَلَيْهِ لَا تمزقه ... فَإِنَّهُ ذهب من مَعْدن الْأَدَب)
قَالَ وَكتب إِلَيّ يتقاضاني عليقاً لفرسه وشيئاَ يُنْفِقهُ
(دموع كميتي على خَدّه ... من الْجُوع يطْلب مني الْعلف)
(وَلَيْسَ معي ذهب حَاضر ... وَلَا فضَّة وَعلي الكلف)
(ولي مِنْك وعد فَعجل بِهِ ... من أنْجز الْوَعْد حَاز الشّرف)
(وَدم وتهنى بِشَهْر الصيا ... م بِوَجْه يهل وكخف تكف)
)
فَبعثت إِلَيْهِ الشّعير وَالنَّفقَة وكتبت إِلَيْهِ
(مسحت بمكي دموع الْكُمَيْت ... وَقلت لَهُ قد أَتَاك الْعلف)
(ووافى إِلَيْك جَدِيد الشّعير ... لَعَلَّ يداوي سقام العجف)
(وَفِي كم سائقه صرة ... تسير لتخفيف ثقل الكلف)
(فإياك تحسبها للوفا ... فَإِنِّي بعثت بهَا للسلف)
وَكَانَ يقص مَا ينظمه فِي الْوَرق قصاً مليحاً محكماً جيدا بالنقط والضبط وَلَكِن أوضاعه على عَادَة المغاربة فِي كتاباتهم ونقلت من قصَّة قَوْله
(إِلَى الْحر الحسيب إِلَى عَليّ ... عَلَاء الدّين ذِي الْحسب الْعلي)
(إِلَيّ من جوده عَم البرايا ... وفَاق مكارماً لكريم طي)
(إِلَى من قدره فاق الثريا ... وَزَاد على على الْأُفق السمي)