(فَنعم الجليس وَنعم الأنيس ... وَنعم السمير وَنعم السكن)
وَكَانَت ذَات جوَار مشهورات بِالْغنَاءِ فمنهن تحفة الزامرة وبدعة الْمُغنيَة وَفِيهِمَا يَقُول إِبْرَاهِيم بن الْمُدبر
(إِن عريباً خلقت وَحدهَا ... فِي كل مَا يحسن من أمرهَا)
(ونعمة الله فِي خلقه ... يقصر الْعَالم عَن شكرها)
)
(أشهد فِي جاريتيها على ... أَنَّهُمَا محسنتا دهرها)
(فبدعة تبدع فِي شدوها ... وتحفة تتحف فِي زمرها)
(يَا رب أمتعها بِمَا خولت ... وامدد لنا يَا رب فِي عمرها)
وَكَانَت من جواري الْمَأْمُون وَكَانَ شَدِيد الكلف بحبها وَمن شعرهَا
(وَأَنْتُم أنَاس فِيكُم الْغدر شِيمَة ... لكم أوجه شَتَّى وألسنة عشر)
(عجبت لقلبي كَيفَ يصبو إِلَيْكُم ... على عظم مَا يلقى وَلَيْسَ لَهُ صَبر)
حُكيَ أَن الْمَأْمُون أنشدها مداعباً
(أَنا الْمَأْمُون وَالْملك الْهمام ... عَليّ أَنِّي بحبك مستهام)
(أترضى ان أَمُوت عَلَيْك وجدا ... وَيبقى النَّاس لَيْسَ لَهُم إِمَام)
فَقَالَت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ والدك أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد أعشق مِنْك حِين يَقُول
(مَلَك الثلاثُ الآنِساتُ عِناني ... وحَلَلنَ من قلبِي بِكُل مَكَان)
(مَا لي تُطاوِعُني البريّةُ كُلُّها ... وأُطيعُهنّ وهنّ فِي عِصياني)
(مَا ذَاك إلاّ أنّ سلطانَ الهَوى ... وَبِه قوين أعز من سلطاني)
وَذَلِكَ أَن والدك أَمِير الْمُؤمنِينَ قدم ذكر جواريه على نَفسه وَأَنت قدمت ذكرك على من زعمت أَنَّك تهواه فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُون صدقت إِلَّا أنني مُنْفَرد بحبك وَحب الرشيد منقسم بَين ثَلَاث جواري وشتان بَين ربيبي الحبين فَقَالَت لَهُ أعرفهن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما الْوَاحِدَة وَهِي فُلَانَة وَكَانَت هِيَ الْمَقْصُودَة بحبه وَأما الأخريان فهما محبوبتان لَهَا فأحبهما لأَجلهَا وقربهما إِلَى بِسَبَبِهَا من قلبه كَمَا قَالَ خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة فِي رَملَة
(أحبُّ بني العوَّام من أجل حبِّها ... وَمن أجلهَا أَحْبَبْت أخوالها كَلْبا)
وكما قَالَ الآخر
(أحب لحبها السودَان حَتَّى ... أحب لحبها سود الْكلاب)