للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(من عِنْد أكْرم مولى ... يُعْطي بِغَيْر سُؤال)

(فَمَا رَآهُ صديق ... من الصُّدُور الموَالِي)

(إِلَّا وَقَالَ سَرِيعا ... هَذَا بديع الْجمال)

وَأما الْجَواب عَن إِعَادَة لَفظه الْأَهْل فِي قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا وَلم يقل استطعماهم وَالْمحل مَحل الْإِضْمَار وَفِيه الإيجاز فقد علم أَن البلاغة لَا تخْتَص بالإيجاز وَإِنَّمَا هُوَ نوع من أَنْوَاعهَا وَأَن مدَار حسن الْكَلَام وارتفاع شَأْنه فِي الْقبُول بإيراده مطابقاً لمقْتَضى الْحَال فَإِن كَانَ مُقْتَضى الْحَال خليقاً ببسط الْكَلَام تعلّقت البلاغة ببسطه وَإِن كَانَ حَقِيقا بالإيجاز كَانَت البلاغة فِي إِيرَاده كَذَلِك ثمَّ قد يعرض للبليغ أُمُور يحسن مَعهَا إِيرَاد الْكَلَام على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر فَينزل غير السَّائِل منزلَة من يسْأَل إِذا كَانَ قد لوح لَهُ بِمَا يَقْتَضِي السُّؤَال وَينزل غير الْمُنكر منزلَة الْمُنكر إِذا ظَهرت عَلَيْهِ مخايل الْإِنْكَار

ويوقع الْمُضمر فِي مَوضِع الظَّاهِر وَالظَّاهِر فِي مَوضِع الْمُضمر إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الْمَذْكُورَة فِي علم البلاغة وَالَّذِي حسن إِيقَاع الظَّاهِر موقع الْمُضمر فِي الْآيَة الْكَرِيمَة أَن الظَّاهِر أدل على الْمَعْنى الَّذِي وضع اللَّفْظ لَهُ من الْمُضمر لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ بِنَفسِهِ والمضمر يدل عَلَيْهِ بِوَاسِطَة مَا يفسره وَقصد الْمُتَكَلّم هُنَا الْإِخْبَار عَن الَّذين طلب مِنْهُم الْإِطْعَام أَنهم أهل الْقرْيَة لِأَن من غشية الضَّيْف فِي منزله وَلم يعْتَذر بِعُذْر عَن إكرامه بل قابله بِالْمَنْعِ مَعَ ظُهُور حَاجته الَّتِي أوجبت لَهُ أَن يسْأَل مِنْهُ ذَلِك لِأَن الْمَسْأَلَة آخر أَسبَاب الْكسْب يعلم بذلك أَن الْحَامِل لَهُ على الِامْتِنَاع من إِضَافَته لؤم الطَّبْع وَاتِّبَاع مَذْمُوم الْبُخْل وَالشح المطاع كَمَا قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل

(حَرِيص على الدُّنْيَا مضيع لدينِهِ ... وَلَيْسَ لما فِي بَيته بمضيع)

حَتَّى روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَانُوا أهل قَرْيَة لِئَامًا وَمن كَانَت هَذِه سجيته وَهَذَا حَاله كَانَ حرياً بِالْإِعْرَاضِ عَنهُ وَعدم مُقَابلَته بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ إصْلَاح الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام لجدار مشرف على السُّقُوط فِي الْقرْيَة الَّتِي هَؤُلَاءِ أَهلهَا من غير طلب أجر على ذَلِك مِنْهُم مَعَ الْحَاجة إِلَى ذَلِك عجب من ذَلِك وَأنْكرهُ حَتَّى كَأَنَّهُ نسي مَا قدمه من وعده إِيَّاه بِالصبرِ وبعدم المصاحبة إِن سَأَلَهُ عَن شَيْء بعد ذَلِك)

مَعَ حرصه على صحبته والتعلم مِنْهُ وَكَانَ فِي إِعَادَة لَفظه الْأَهْل فِي الْآيَة الْكَرِيمَة إِقَامَة لعذر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الِاعْتِرَاض فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهَا حَالَة لَا يصبر عَن الِاعْتِرَاض فِيهَا لِأَن حَالهم يَقْتَضِي بذل الْأُجْرَة فِي إصْلَاح أَمر دنياوي لحرصهم وشحهم فَترك طلب الْأُجْرَة

<<  <  ج: ص:  >  >>