وسمعتُ جمَاعَة من الْيَهُود يدَّعون أنَّه كَانَ فِي عصره شخصٌ من الْيَهُود كتب العبراني طبقَة مثل ابْن البوَّاب فِي الْعَرَبِيّ وأنَّه لم يكْتب العبراني أحدٌ قبله وَلَا بعده مثله
ورأيتُ من خطِّه كثيرا وملكتُ مِنْهُ قِطْعَة بلم الرِّقاع فرآها الشَّيْخ بهاء الدّين مَحْمُود ابْن خطيب بعلبكَّ فَقَالَ لم أرَ لِابْنِ البوَّاب رِقَاعًا قطّ غير هَذِه إلَاّ أنَّ هَذِه الْقطعَة الْمَذْكُورَة كَانَ عَلَيْهَا خطّ القاشي الْكَاتِب المُذَهِّب البوَّاب فَاضلا مُذَهِّباً أَيْضا لَهُ مجاميع أدبيَّة وتواليف وَقد شهد لهَذِهِ الْقطعَة أنَّها من نفائس عُقُود ابْن البوَّاب وَشَيخ ابْن البوَّاب فِي الْكِتَابَة مُحَمَّد بن أَسد الْكَاتِب وَقد تقدَّم ذكره فِي مَكَانَهُ البوَّاب ابْن البوَّاب فِي أوَّل أمره مُزَوِّقاً يُزَوِّقُ الدّور ثمَّ صوَّر الْكتب ثمَّ تعانى الْكِتَابَة قلت التَّصْوِير والتذهيب هُوَ الَّذِي أَعَانَهُ على استنباط مَا زَاده فِي الْكِتَابَة وغيَّره من الأَوضاع وَلَقَد دَار بيني وَبَين شرف الدّين عِيسَى النَّاسِخ الْكَاتِب وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد المصريين فِي بعض الْأَيَّام كلامٌ أفْضى إِلَى التعجُّب من أَمر ابْن البوَّاب فَقَالَ مَا بَين النَّاس تفاوتٌ إِلَى حدّ يكون قد جَاءَ أحدٌ لم يجِئ بعده مثله قلت لَيْسَ هَذَا بعجيب لأنَّه اتّفق لَهُ أَشْيَاء مَا اتَّفقت لغيره قَالَ مَا هِيَ قلت الأولى أنَّه اسْتَعَانَ على ذَلِك بِمَا عِنْده من التَّصْوِير والتذهيب والمصوِّرون يَقُولُونَ هَذِه الصُّورَة فِي حركاتها رُطوبةٌ هُنَا ويُبْسٌ هُنَا والرطوبةُ عِنْدهم رتبةٌ عليا واليُبُوسَةُ عيب كَمَا ذَلِك عِنْد الكتَّاب الثَّانِيَة أَنه كَانَت أعضاؤه قَابِلَة لما يَضَعهُ على مَا يتصوَّره فِي نَفسه من الأشكال وَلَيْسَ كل النَّاس كَذَلِك الثَّالِثَة أنَّه هُوَ الَّذِي أبرز هَذِه الأوضاع إِلَى الْوُجُود على مَا رَآهُ وقبلته أعضاؤه المفطورة لذَلِك وإلاّ فَلَيْسَتْ هَذِه الأوضاع أمرا تُلُقِّيَ عَن نبيّ وَلَا وصيّ وَلَا هِيَ أوضاعٌ طبيعيَّة وَلَا أشكالٌ لَازِمَة الْوُجُود أَن تكون كَذَا لأنَّ المغاربة يخالفون المشارقة فِي أوضاعهم الرَّابِعَة أنَّه صقلها بالإدمان حتَّى قويتْ وَقَعَدت وكلُّ من كَانَت كِتَابَته مصقولةً قَاعِدَة كَانَت حَسَنَة فِي الْعين وَلَو لم يراعِ كاتبها أصُول ابْن البوَّاب فَهَذَا الشَّيْخ فتح الدّين بن سيِّد النَّاس أَخْبرنِي أَنه لم يكْتب على أحدٍ وكتابته فِي المغربي والعربي طبقَة الْخَامِسَة أَنه وضع شَيْئا على مَا فِي نَفسه لَيْسَ بطبيعي وَلَا شَرْعِي فجوَّده وساعده الْأُمُور الَّتِي ذكرتُها لَك وَالنَّاس يُرِيدُونَ يحاكونه فيتكلَّفون مَا كَانَ فِي طباع الأول لَا جَرَمَ أنَّ النَّاس تفاوتوا فِي ذَلِك فَمن مُقارب وَمن مُباعد)
على طَبَقَات وَهُوَ الغايةُ فِي ذَلِك فسَلَّم لي شرف الدّين النَّاسِخ وَمن كَانَ حَاضرا واعترفوا بِصِحَّة التَّعْلِيل انْتهى