وَلم يزل فِي كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق إِلَى أَن طلبه القَاضِي عَلَاء الدّين بن فضل الله إِلَى بَاب السُّلْطَان بمرسوم السُّلْطَان الْملك المظفَّر فتوجَّه هُوَ وَولده شهَاب الدّين أَحْمد إِلَى الديار المصرية فِي الْبَرِيد ورُتِّب زين الدّين الْمَذْكُور موقِّعاً فِي الدَّسْت الشريف بالأبواب السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ توجَّه من دمشق فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَأقَام هُنَاكَ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله وسامحه فِي ثامن عشْرين صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة بعد مرض طَوِيل قاسى مِنْهُ شدَّة
ووقفتُ لَهُ على كتاب كَانَ قد كتبه من صفد بخطِّه إِلَى القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن فضل الله وَهُوَ
(الناسُ هم بِالنَّاسِ فِي الدُّنْيَا فَذا ... عالٍ وَهَذَا دونَه يرجوهُ)
(والكلُّ عائلةُ الْإِلَه فبعضُهم ... يدعونَ خيرَهُمُ كَمَا يدعوهُ)
(وهمُ طباعٌ يقصدون كرامَها ... من بَينهم ومعادنٌ ووجوهُ)
(وَإِلَيْك هَذَا القولُ يسري فالهُ ... وَعَلَيْك معنى سرِّهِ أجْلوهُ)
يُقَبِّلُ الأرضَ ويُنهي أَن مطالعاته وتضرُّعاته ووسائله ورسائله وقصائده ومذاكراته تكرَّرتْ إِلَى بَيت يَدي المخدوم أدام الله أيَّامه وَأبقى رماحاً للدولة أقلامه وسيوفاً للهيجاء كَلَامه
وَهل سيتسقي الظمآن إِلَاّ الْغَمَام أَو يستصرخ العاني إِلَاّ بالسَّراة الْكِرَام أَو تقف الآمالُ إِلَاّ على الْوُجُوه الصِّباح أَو يجلو ظلمَة اللَّيْل البهيم إِلَاّ الْقَمَر إِذا لَاحَ أَو الصَّباح إِذا طلع بنوره الوضَّاح أَو يلوذ العبدُ إِلَاّ بسيِّده أَو يعوذ الْمُنْقَطع إِلَاّ بِمن سَبَبُ الِاتِّصَال فِي يَده والمملوك)
ظامْ وأفق سيِّدي المخدوم غمامٌ عامٍ وعان وَكَرمه قد مَلأ الدُّنيا بالإنعام وَله أملٌ وَوَجهه قد غطَّى على الشَّمْس بالإشراق وَفِي ليلٍ داج وَبَين عَيْنَيْهِ قمرٌ لَا يصل إِلَيْهِ مُحاق وَمن بِشْره صبحٌ يدلُّ فِي الْآفَاق ضالَّةَ الرفاق وعبدٌ وَأَنت السَّيِّد الْكَامِل ومنقطِع وَأَنت بِمَشِيئَة الله إِلَى المأمن حَامِل
(وَلَا تسْأَل عَن الإفلاس غَيْرِي ... فآخر مَا يُباع هِيَ الدفاترْ)
(وَمَا لي دفترٌ فأبيعَ مِنْهُ ... وَقد خَلَتِ الدفاترُ والمحابرْ)
(وَمَا ثَقَّلْتُ إِلَاّ بعد جهدٍ ... فَكُن لي مُسعفاً يَوْمًا وعاذرْ)
(وحالُ الْجِسْم منِّي مثلُ حَظِّي ... كطِرسي الكلُّ أشباهٌ نظائرْ)