قَالَ قَرَأت على أبي الْمَعَالِي أَحْمد بن إِسْحَاق الهمذاني أخْبركُم عبد الْقوي بن عبد الله السَّعْدِيّ سَمَاعا أَنا أَبُو مُحَمَّد ابْن رِفَاعَة أَنا أَبُو الْحسن الخلعي أَنا عبد الرَّحْمَن بن عمر النّحاس أَنا أَبُو مُحَمَّد ابْن الْورْد أَنا عبد الرَّحِيم البرقي ثَنَا عبد الْملك بن هِشَام عَن زِيَاد البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُنْصَرفه عَن الطَّائِف كتب بجير بن زُهَيْر إِلَى أَخِيه كَعْب يُخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل رجَالًا بِمَكَّة مِمَّن كَانَ يهجوه ويؤذيه وَأَن من بَقِي من شعراء قُرَيْش ابْن الزِّبَعْرَى وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا فِي كل وَجه فَإِن كنت لَك فِي نَفسك حَاجَة فطر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لَا يقتل أحدا جَاءَهُ تَائِبًا وَإِن أَنْت لم تفعل فَانْجُ إِلَى نجائك
وَكَانَ كَعْب قد قَالَ
(أَلا ابلغا عني بجيراً رِسَالَة ... فَهَل لَك فِيمَا قلت وَيحك هَل لكا)
(فَبين لنا إِن كنت لست بفاعلٍ ... على أَي شَيْء غير ذَلِك دلكا)
(على خلقٍ لم ألف يَوْمًا أَبَا لَهُ ... عَلَيْهِ وَمَا تلفي هليه أَبَا لكا)
(فَإِن أَنْت لم تفعل فلست بآسفٍ ... وَلَا قَائِل إِمَّا عثرت لعاً لكا)
(سقاك بهَا الْمَأْمُون كأساً رويةً ... فأنهلك الْمَأْمُون مِنْهَا وعلكا)
قَالَ وَبعث بهَا إِلَى بجير فَلَمَّا أَتَت بجيراً كره أَن يكتمها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنشده إِيَّاهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سقاك بهَا الْمَأْمُون صدق وَإنَّهُ لَكَاذِب وَأَنا)
الْمَأْمُون وَلما سمع على خلق لم تلف أما وَلَا أَبَا عَلَيْهِ قَالَ أجل لم يلف أَبَاهُ وَلَا أمه عَلَيْهِ
ثمَّ قَالَ بجير لكعب
(من مبلغٍ كَعْبًا فَهَل لَك فِي الَّتِي ... تلوم عَلَيْهَا بَاطِلا وَهِي أحزم)
(إِلَى الله لَا الْعُزَّى وَلَا اللات وَحده ... فتنجو إِذا كَانَ النَّجَاء وتسلم)
(لَدَى يَوْم لَا ينجو وَلَيْسَ بمفلتٍ ... من النَّاس إِلَّا طَاهِر الْقلب مُسلم)
(فدين زُهَيْر وَهُوَ لَا شَيْء دينه ... وَدين أبي سلمى عَليّ محرم)
فَلَمَّا بلغ كَعْبًا الْكتاب ضَاقَتْ بِهِ الأَرْض وأشفق على نَفسه وأرجف بِهِ من كَانَ حاضره من عدوه فَقَالُوا هُوَ مقتول
فَلَمَّا لم يجد من شَيْء بدا قَالَ قصيدته الَّتِي يمدح فِيهَا رَسُول الله صلى اللهُ عليهِ وَسلم وَيذكر خَوفه وإرجاف الوشاة بِهِ من عدوه
ثمَّ خرج حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَنزل على رجل كَانَت بَينه وَبَينه معرفَة من جُهَيْنَة كَمَا ذكر لي فغدا بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ