(ومُذْ لَزِمتُ الحمّامَ صِرتُ فَتى ... خِلاًّ يُداري مَن لَا يداريه)
)
(أعرِفُ حَرَّ الأشيا وباردَها ... وآخُذُ الماءَ من مَجاريه)
قلت لما كتب أَبُو الْحُسَيْن الجزار إِلَى نصير الحمامي
(حُسنُ التأتي مِمَّا يُعين على ... رِزِق الْفَتى والحُظوظ تختلفُ)
(والعبدُ مُذ كَانَ فِي جِزارته ... يعرف من أينَ تُوكَل الكَتف)
كتب النصير الحمامي إِلَيْهِ الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين أَولا وأنشدني الْحَافِظ الشَّيْخ فتح الدّين بن مُحَمَّد بن سيّد النَّاس قَالَ أَنْشدني النصير الحمامي لنَفسِهِ
(رأيتُ شخصا آكِلٌ كِرشةً ... وهُو أَخُو ذوقٍ وَفِيه فِطَن)
(وَقَالَ مَا زِلتُ مُحباً لَهَا ... قلت من الْإِيمَان حُبُّ الوَطَنُ)
وَقَالَ النصير يَوْمًا للسِراج الْوراق قد عَمِلتُ قصيدةً فِي الصاحب تَاج الدّين وأشتهى أَنَكَّ تُزَهرِه لَهَا وتشكُرها وسَيرها إِلَى الصاحب فَلَمَّا اُنشِدَت بِحَضْرَة السِراج قَالَ السراجُ بعد مَا فُرِغَ مِنْهَا
(شاقني للنصير شِعرٌ بَديعٌ ... ولِمثلي فِي الشّعْر نَقدٌ بصيرُ)
(ثمَّ لمّا سَمِعتُ بِاسْمِك فِيهِ ... قلتُ نَعمَ المَولى ونِعمَ النصير)
فَأمر الصاحب لَهُ بِدَرَاهِم وسيرها إِلَيْهِ وَقَالَ قل لَهُ هَذِه مِائَتَا درهمٍ صَنجَةً فَلَمَّا أدّى الرَّسُول الرسَالَة قَالَ النصيرُ قبِّل الأرضَ بَين يَدي مَوْلَانَا الصاحب وقُل يسألُ إحسانَك وصدقاتِك أَن تكونَ عَادَة فلمّا سمع ذَلِك الصاحب أعجبه وَقَالَ يكون ذَلِك عَادَة وَكتب النصير إِلَى السِّراج يتشوق
(وكدّرتَ حمامي بغيبتك الَّتِي ... تكدَّرَ من لذاتها صَفوُ مشرَبي)
(فَمَا كَانَ صَدرُ الحَوض مُنشرِحاً بهَا ... وَلَا كَانَ قلبُ المَاء فِيهَا بِطيِّب)
وَكتب أَيْضا يَسْتَدْعِي إِلَى حمامه
(من الرَّأْي عِنْدِي أَن تواصِلَ خَلوَةً ... لَهَا كَبِدٌ حَرَّى وفَيضُ عيونِ)
(تُراعي نجوماً فِيك من حَرّ قَلبهَا ... وتبكي بدَمعي فارحٍ وحزين)
(غَدا قلبُها صَباً عَلَيْك وأنتَ إِن ... تأخرتَ أضحى فِي حِياضِ مَنُون)
وَكتب نَاصِر الدّين حسن بن النَّقِيب الفُقّيسي إِلَى النصير وَقد حصل لَهُ رَمَدٌ
(يَقُولُونَ لي عين النصير تألمت ... ولازمه فِي جَفنه الحَكُّ والأكلُ)