يُصَلِّي وَقد أَخذ بلحية نَفسه وَهُوَ يَقُول يَا من يَجْزِي بمثقال ذَرةٍ خيرا وَخيرا وَيَا من يَجْزِي بمثقال ذَرة شرّاً شرّاً أجِرِ النُّعْمَان عَبدك من النَّار وَمَا يقرب مِنْهَا من سوءٍ وأَدخِله فِي سعَة رحمتك قَالَ فأدّنتُ والقنديل يزهِر وَهُوَ قَائِم فلمّا دخلت قَالَ تُرِيدُ أَن تدخل الْقنْدِيل قلت قد أذّنتُ لصَلَاة الْغَدَاة قَالَ اكتمُ عليّ مَا رأيتَ وَركع رَكْعَتَيْنِ وَجلسَ حَتَّى أُقِيمَت الصَّلَاة وَصلى مَعنا الْغَدَاة على وضوء أوّل اللَّيْل وَقَالَ إِسْمَعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة عَن أَبِيه قَالَ لما مَاتَ أبي سَأَلنَا الْحسن بن عمَارَة أَن يتَوَلَّى غُسله فَفعل فَلَمَّا غسله قَالَ رَحِمك الله وَغفر لَك لم تفطر مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة وَلم تتوسّد يَمِينك فِي اللَّيْل مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة وَقد أَتعبتَ من بعْدك وفضحتَ القراءَ وَقَالَ عبد الله بن رَجَاء كَانَ لأبي حنيفةَ جارٌ بِالْكُوفَةِ إسكافي يعْمل نَهَاره أجمعَ حَتَّى إِذا أجنّه اللَّيْل رَجَعَ إِلَى منزله وَقد حمل)
لَحْمًا فيطبخه أَو سَمَكَة فيشويها ثمَّ لم يزل يشرب حَتَّى إِذا دبّ فِيهِ غّرَّد بصوتٍ وَهُوَ يَقُول
(أضاعوني وأيّ فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهةٍ وسدادِ ثغرِ)
فَلَا يزَال يشرب ويردد هَذَا الْبَيْت حَتَّى يَأْخُذهُ النّوم وَكَانَ أَبُو حنيفَة يسمع جَلبته كل ليلةٍ ففقد أَبُو حنيفَة صَوته لَيْلَة فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل أَخذه العَسَسُ مُنْذُ لَيَال وَهُوَ مَحْبُوس فصلّى أَبُو حنيفَة الْفجْر وَركب بغلته وَاسْتَأْذَنَ على الْأَمِير فَلَمَّا دخل قَالَ لي جَار إسكافي أَخذه العَسَس مُنْذُ لَيَال يَأْمر الْأَمِير بتخلية سَبيله فَقَالَ نعم وكل من أُخِذ تِلْكَ اللَّيْلَة فتركوا أَجْمَعِينَ وَخرج أَبُو حنيفَة والإسكافي يمشي وَرَاءه فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفةَ رَضِي الله عَنهُ مضى إِلَيْهِ وَقَالَ يَا فتىَ أضعناك فَقَالَ لَا بل حفظتُ ورُعيتُ جَزَاك الله خيرا عَن حُرمة الجِوار ورعاية الْحق وَتَابَ ذَلِك الرجل وَلم يعد إِلَى مَا مَكَان عَلَيْهِ وَلم يكن فِي أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ مَا يعاب بِهِ غير اللّحن فَمن ذَلِك أَن ابا عَمْرو بن العلاءِ المقرىء النَّحْوِيّ ساله عَن القَتل بالمِثل هَل يوجِب القَود أَو لَا فَقَالَ لَا كَمَا هُوَ قَاعِدَة أبي حنيفَة فِي مذْهبه خلافًا للشَّافِعِيّ فَقَالَ لع أَبُو عَمْرو ولوقتله بِحجر المنجنيق فَقَالَ لَهُ وَلَو قَتله بأبا قُبيس يَعْنِي الْجَبَل المطلّ على مَكَّة وَقد اعتذر النَّاس لَهُ وَقَالُوا قَالَ ذَلِك على لُغَة من يعرب الحروفَ الستةَ على أَنَّهَا مقصورةٌ وَمِنْه قَول الْقَائِل
(إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها)
وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك يمدَح الإِمَام
(رأيتُ أَبَا حنيفةَ كلَّ يومٍ ... يَزيدُ نَبالةً وَيزِيد خُبرا)
(ويَنطِقُ بالصَواب ويَصطَفيه ... إِذا مَا قَالَ أهل الهُجر هُجرا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute