(أُذَكِّرُ بالبُقيا على مَا أصابني ... وبُقيايَ أَنِّي جاهدٌ غير مُؤتَل)
وَقيل بل أحضرهم مُعَاوِيَة فَلَمَّا صَارُوا بَين يَدَيْهِ قَالَ يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ أَشْكُو إِلَيْك مظلمتي وقَتل أخي وترويع نسوتي فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة يَا هدبة قُل قَالَ إِن شئتَ قَصَّينا كلَاما أَو شعرًا قَالَ لَا بَل شعرًا فارتجل هدبة)
(أَلا يَا لقومي لِلنَّوائب والدهرِ ... وللمرء يُردِي نفسَه وَهُوَ لَا يَدري)
(وللأرض كم من صالحٍ قد تلأَمت ... عَلَيْهِ فوارثه بلمّاعةٍ قَفر)
(فَلَا يَتَّقِي ذَا هيبةٍ لجلالِهِ ... وَلَا ذَا ضِياعٍ هنّ يُتركنَ للفَقر)
(رَمينا فرامَينا قصادف رَميُنا ... مَنايا رِجالٍ فِي كتابٍ وَفِي قَدر)
(وَأَنت أَمِير الْمُؤمنِينَ فمالنا ... وراءَك من مَغدىً وَلَا عَنْك من قَصر)
(فَإِن تَك عَن أَمْوَالنَا لم نَضِق بهَا ... ذِرَاعا وَإِن صبرا فنصيبِرُ للصبر)
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة قد أقرَرتَ بقتل صَاحبهمْ ثمَّ قَالَ لعبد الرَّحْمَن هَل لزِيَادَة ولدٌ قَالَ نعم المُسوَّر وَهُوَ غلامٌ حفرٌ وَأَنا عَمه وَلِيُّ دم أَبِيه فَقَالَ المُسوَّر أحقّ بِدَم أَبِيه وردّه إِلَى الْمَدِينَة فحُبس ثَلَاث سِنِين حَتَّى بلغ المُسوَّر فَقَالَت أمّ هُدبة لما شخص إِلَى الْمَدِينَة ليُحبس
(أيا إخوتي أهل الْمَدِينَة أكرِموا ... أسيرَكُمُ إنّ الأسيرَ كريمُ)
(فَرُبَّ كريمٍ قد قراه وضافه ... ورُبَّ أُمورٍ كلّهن عَظيم)
(عَصا حبلُها يَوْمًا عَلَيْهِ مراسه ... من الْقَوْم عيابٌ أشمّ حَلِيم)
وَلما مضى هُدبة من السجْن ليُقتل الْتفت إِلَى امْرَأَته وَكَانَت من أجمل النِّسَاء فَقَالَ لَهَا
(أَقِلّي عليّ اللوم يَا أمَّ بوزعَا ... وَلَا تَعجَبِي ممّا أصَاب فأوجَعا)
(وَلَا تَنكَحي إِن فرّق الدهرُ بَيْننَا ... أغمّ القَفا وَالْوَجْه لَيْسَ بأنزَعَا)
(ضَروبَا بلحيَتِه على عَظم زَوره ... إِذا الْقَوْم هشُّوا للفَعال تقنَّعا)
(كليلاً سِوَى مَا كَانَ من حَدِّ ضِرسِه ... أُلَيبِيدُ مبطان العَشيات أَروعا)
(وكُوني حَبِيسًا أَو لأروَعَ ماجدٍ ... إِذا ضنّ أعساسُ الرِّجَال تبرّعا)
(وحُلّي بِذِي أُكرومةٍ وحَميَّةٍ ... وصبراً إِذا مَا الدَّهْر عضّ فاَسرعا)
فمالت زَوجته إِلَى جزّارٍ فَأخذت شَفرته فجدعَت أنفها وشفتَيها وجائته وَهِي تدمى فَقَالَت أتخاف أَن يكون بعْدهَا نِكاحٌ فرسف هدبة فِي قسيوده وَقَالَ الْآن طَابَ الْمَوْت ثمَّ الْتفت فَرَأى أبوَيه يتوقّعان الثكل فَقَالَ لَهما