وَجَرت بَينهمَا مناظرات عديدة فِي غير مَوضِع
وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب والطلبة وَكَانَ بارعاً فِي العقليات وَأما الْفِقْه وأصول الْفِقْه فَكَانَا قد بقيا لَهُ طباعاًص لَا يتكلفهما أفتى ودرس وَبعد صيته ولي مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية سبع سِنِين وَجَرت لَهُ أُمُور وتنقلات وَكَانَ مَعَ اشْتِغَاله يتنزه ويعاشر ونادم الأفرم نَائِب دمشق ثمَّ توجه إِلَى مصر وَقَامَ بهَا إِلَى أَن عَاد السُّلْطَان من الكرك فِي سنة تسع وَسبع مائَة فجَاء بَعْدَمَا خلص من وَاقعَة الجاشنكيرفإنه نسب إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاء وعزم الصاحب فَخر الدّين ابْن الخليلي على الْقَبْض عَلَيْهِ تقرباًً إِلَى خاطر السُّلْطَان وَهُوَ بالرمل فَعَفَا عَنهُ السلطانوجاء إِلَى دمشق
فَعمل عَلَيْهِ زمَان قراسنقر وَتوجه إِلَى حلب وأقرأ بهَا ودرس وَأَقْبل عَلَيْهِ الحلبيون إقبالاً زَائِدا وعاشرهم وخالطهم قَالَ وصلني من مكارمات الحلبيين فِي مُدَّة عشر أشهر فَوق الْأَرْبَعين ألف دِرْهَم وَأَقْبل عَلَيْهِ نائبها أسندمر
وَكَانَ مَحْفُوظًا لم يَقع بَينه وَبَين أحد من الْكِبَار إِلَّا وَعَاد من أحب النَّاس فِيهِ وَكَانَ حسن الشكل تَامّ الْخلق حسن البزة حُلْو المجالسة طيب المفاكهة وَعِنْده كرم مفرط كل مَا يحصل لَهُ يُنْفِقهُ على خلطائه وخلصائه بِنَفس متسعة ملوكية وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الصلحاء ويلتمس دعاءهم وَيطْلب بركتهم
أَخْبرنِي من لَفظه الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن العسجدي الشَّافِعِي قَالَ كنت مَعَه وَكَانَت لَيْلَة عيد فَوقف لَهُ فَقير وَقَالَ شَيْء لله فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ ايش معكفقلت مِائَتَا دِرْهَم فَقَالَ ادفعها إِلَى هَذَا الْفَقِير فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي اللَّيْلَة الْعِيد وَمَا مَعنا نَفَقَة غَد فَقَالَ امْضِ إِلَى القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير وَقل لَهُ الشَّيْخ يهنيك بِهَذَا الْعِيد فَلَمَّا رَآنِي كريم الدّين قَالَ كَأَن الشَّيْخ يعوز نَفَقَة فِي هَذَا الْعِيد وَدفع إِلَيّ ألفي دِرْهَم للشَّيْخ وَثَلَاث مائَة دِرْهَم لي فَلَمَّا حضرت إِلَى)
الشَّيْخ وعرفته ذَلِك قَالَ صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمالحسنة بعشرةٍ مِائَتَان بِأَلفَيْنِ وَحكى لي عِنْد غير وَاحِد مِمَّن كَانَ يخْتَص بِهِ مَكَارِم كَثِيرَة ولطفاً زَائِدا وَحسن عشرَة وَأما أَوَائِل عشرته فَمَا كَانَ لَهَا نَظِير لكنه رُبمَا يحصل عِنْده ملل فِي آخر الْحَال حَتَّى قَالَ فِيهِ الْقَائِل
(وداد ابْن الْوَكِيل لَهُ شبيهٌ ... بلبادين جلق فِي المسالك)
(فأوله حليٌ ثمَّ طيبٌ ... وَآخره زجاجٌ مَعَ لوالك)
وشعره الْجيد مِنْهُ مليح إِلَى الْغَايَة وَرُبمَا يَقع فِيهِ اللّحن الْخَفي وَكَانَ ينظم الشّعْر والمخمس والدوبيت والموشح والزجل وَغير ذَلِك من أَنْوَاع النّظم وَيَأْتِي فِيهِ على اخْتِلَاف الْأَنْوَاع بالمحاسن
وَمن تصانيفه مَا جمعه فِي سفينة سَمَّاهُ الْأَشْبَاه والنظائر فِي الْفِقْه يُقَال أَنه شَيْء غَرِيب وَعمل مجلدة فِي السُّؤَال الَّذِي حضر من عِنْد أسندمر نَائِب طرابلس فِي الْفرق بَين الْملك وَالنَّبِيّ والشهيد وَالْوَلِيّ والعالم
وَلما كَانَ بحلب حضر الْأَمِير سيف الدّين أرغون الدوادار نَائِب السُّلْطَان أَظُنهُ متوجهاًص إِلَى مهنا بن عِيسَى فَاجْتمع بِهِ هُنَاكَ وَقدم لَهُ ربعَة عَظِيمَة كَانَ قد وَهبهَا لَهُ أسندمر نَائِب حلب فَقَالَ هَذِه مَا تصلح إِلَّا لمولانا السُّلْطَان ووعده بِطَلَبِهِ إِلَى الديار المصرية