الزين خضر بِدِمَشْق فِي أَيَّام الْأَمِير سيف الدّين يلبغا اليحيوي فسير طلبه)
من الْكَامِل أَن يكون عِنْده بِدِمَشْق كَاتب سر فرسم لَهُ بذلك فَحَضَرَ إِلَى دمشق رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وطلع النَّاس وتلقوه من عز الدّين طقطاي الدوادار والأمير سيف الدّين تمر المهمندار والموقعين وَلم أر أحدا دخل دُخُوله من كتاب السِّرّ إِلَى دمشق ورأيته سَاكِنا مُحْتملا مدارياً لَا يرى مشاققة أحد وَلَا منازعته كثير الْإِحْسَان إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين يبرهم وَيَقْضِي حوائجهم وَيكْتب كِتَابَة حَسَنَة وينظم وينثر سَرِيعا ويستحضر قَوَاعِد الْفِقْه فروعاً وأصولاً وقواعد أصُول الدّين وقواعد الْإِعْرَاب والمعاني وَالْبَيَان والهيئة وقواعد الطبل ويستحضر من كليات الطِّبّ جملَة ولي دمشق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين سمع صَحِيح مُسلم على الشَّيْخ مُحَمَّد السلاوي وَسمع سنَن أبي دَاوُد على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن نباتة وعَلى بنت الخباز وَسمع عَلَيْهَا جملَة من الْأَجْزَاء ومشيخة ابْن عبد الدَّائِم وَغير ذَلِك وَكتب إِلَيّ وَنحن بمرج الغشولة صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين يلبغا اليحيوي نَائِب الشَّام وَقد وَقع مطر كثير برعد وبرق
(كَأَن الْبَرْق حِين ترَاهُ لَيْلًا ... ظَبْي فِي الجو قد خرطت بعنف)
(تخال الضَّوْء مِنْهُ نَار جَيش ... أَضَاءَت والرعود فجيش زحف)
فَكتبت الْجَواب
(يحاكي الْبَرْق بشرك يَوْم جود ... إِذا أَعْطَيْت ألفا بعد ألف)
(وَصَوت الرَّعْد مثل حَشا عَدو ... يخَاف سطاك فِي حيف وحتف)
فَكتبت الْجَواب إِلَيّ
(لَئِن أوسعت إحساناً وفضلاً ... وجدت بنظم مدح فِيك لَائِق)
(فَهَذَا الْفضل أخجل صوب سحب ... وَهَذَا الْبشر أخجل بشر بارق)
وَكتب هُوَ إِلَيّ أَيْضا
(وَكَأن الْقطر فِي ساجي الدجى ... لُؤْلُؤ رصع ثوبا أسودا)
(فَإِذا مَا قَارب الأَرْض غَدا ... فضَّة تشرق مَعَ بعد المدى)
فَكتبت أَنا إِلَيْهِ الْجَواب
(مَا مُطِرْنَا الْآن فِي المرج سدى ... ورأينا الْعذر فِي هَذَا بدا)
(نظر الجو لما تبذله ... فَهُوَ يبكي بالغوادي حسدا)
)
وَكتب هُوَ إِلَيّ أَيْضا
(طبق الجو بالسحاب صباحاً ... ومطرنا سَحا مغيثاً وبيلا)
(نسخ الرّيّ كل قحط ويبس ... بغمام أهْدى لنا سلسبيلا)
(ارتشفنا الرضاب مِنْهُ فخلنا ... عَن يَقِين مزاجه زنجبيلا)