عَلَيْهِ لما استشعر مِنْهُ وَعين أَخَاهُ ثمَّ ألزم أَبَا نصر بِأَن أشهد على نَفسه أَنه لَا يصلح وَأَنه قد نزل عَن الْأَمر وأكبر الْأَسْبَاب فِي نفور النَّاصِر من وَلَده الْوَزير نصير الدّين ابْن مهْدي الْعلوِي وَلم يزل الإِمَام النَّاصِر مُدَّة حَيَاته فِي عز وجلالة وقمع الْأَعْدَاء والاستظهار على الْمُلُوك لم يجد ضيماً وَلَا خرج عَلَيْهِ خارجي إِلَّا قمعه وَلَا مُخَالف إِلَّا دمغه وَمن أضمر لَهُ سوءا رَمَاه الله بالخذلان قَالَ محب الدّين ابْن النجار حدثين حَمَّاد بن أبي البركات الْفَتْح وَكَانَ صَدُوقًا متديناً قَالَ حَدثنِي الْملك صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب صَاحب الشَّام وديار مصر وَكنت قد دخلت عَلَيْهِ وأعطيته مَكْتُوبًا من الدِّيوَان قَالَ وصل إِلَيْنَا من عنْدكُمْ رجل يعرف بِأبي رشيد ابْن أبي مَنْصُور البوشنجي واتصل بخدمتنا وَصَارَ لَهُ اخْتِصَاص بِنَا وتقرب إِلَيْنَا وَحسن حَاله)
فأرسلته إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز فِي رِسَالَة فَمضى وَعَاد وَأَنا نَازل على صور من سَاحل الشَّام محاصر لَهَا فاتصل بِنَا إِلَى الْعَسْكَر وَأدّى جَوَاب الرسَالَة فَقلت لَهُ كَيفَ تركت أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأجَاب بِمَا لَا يجوز التفوه بِهِ وَظن أَن ذَلِك يسرني فزبرته ونهيته عَن ذَلِك وَقلت لَهُ هَذَا بَيت مؤيد محروس من الله من قَصده بِسوء عَاد عَلَيْهِ ثمَّ إِنَّه خرج مُتَوَجها إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ رَحْله فَلَمَّا فارقناه قَلِيلا أَتَاهُ سهم غرب فِيهِ ياسيج فَدخل فِي صَدره وَخرج من ظَهره وخر صَرِيعًا فِي الْحَال وَحمل إِلَى رَحْله وتسابق الغلمان إِلَيّ بِالْحَال فعجبت من تَعْجِيل الله سُبْحَانَهُ عُقُوبَته انْتهى وَكَانَ الإِمَام النَّاصِر شَدِيد الاهتمام بِالْملكِ ومصالحه لَا يكَاد يخفى عَلَيْهِ شَيْء من أُمُور رَعيته كبارهم وصغارهم وَأَصْحَاب أخباره فِي أقطار الْبِلَاد يوصلون إِلَيْهِ أَحْوَال الْمُلُوك الظَّاهِرَة والباطنة وَكَانَت لَهُ حيل لَطِيفَة ومكايد خُفْيَة وخدع لَا يفْطن لَهَا أحد يُوقع الصداقة بَين مُلُوك متعادين ويوقع الْعَدَاوَة مَعَ مُلُوك متفقين وهم لَا يَشْعُرُونَ وَلما دخل رَسُول صَاحب مازندران بغداذ كَانَ يتيه ورقة كل صباح بِمَا عمل فِي اللَّيْل وَصَارَ يُبَالغ فِي الكتم والورقة تَأتيه فاختلى لَيْلَة بِامْرَأَة دخلت إِلَيْهِ من بَاب السِّرّ فصبحته الورقة بذلك وفيهَا كَانَ عَلَيْكُم دواج فِيهِ صُورَة الفيلة فتحير وَخرج من بغداذ وَهُوَ لَا يشك أَن الْخَلِيفَة يعلم الْغَيْب لِأَن الإمامية يَعْتَقِدُونَ أَن الإِمَام الْمَعْصُوم يعلم مَا فِي الْحَامِل وَمَا وَرَاء الْجِدَار وأتى رَسُول خوارزم شاه برسالة مخفية وَكتاب مختوم فَقيل لَهُ ارْجع قد عرفنَا مَا جِئْت بِهِ فَرجع يظنّ أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب وَرفع من المطالعات أَن رجلا كَانَ وَاقِفًا والعسكر خَارج إِلَى ششتر فِي قُوَّة الأمطار وَشدَّة الشتَاء وَالْبرد فَقَالَ كنت أُرِيد من الله تَعَالَى من يُخْبِرنِي إِلَى أَيْن يمْضِي هَؤُلَاءِ المدابير ويسفقني مائَة خَشَبَة فَلم تزل عين الرافع ترقب الْقَائِل حَتَّى وصل مستقره خشيَة أَن يطْلب فَأمر النَّاصِر فِي الْحَال أَن يحضرهُ الْوَزير ويضربه مائَة خَشَبَة فَإِذا تمت أعلمهُ إِلَى أَيْن يذهب الْعَسْكَر فَلَمَّا ضربه الْمِائَة وَهُوَ لَا يعلم علام ضرب نسي أَن يُعلمهُ إِلَى أَيْن يذهب الْعَسْكَر فَمَا انْفَصل عَن الْمَكَان الْمَذْكُور حَتَّى تذكر الْوَزير ذَلِك فَقَالَ ردُّوهُ فَعَاد مَرْعُوبًا خشيَة أَن يُزَاد عُقُوبَة فَلَمَّا وصل قَالَ لَهُ الْوَزير قد أَمر مَوْلَانَا صلوَات الله عَلَيْهِ أَن نعلمك بعد أدبك إِلَى أَيْن يمْضِي الْعَسْكَر والعسكر يمْضِي إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute