للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَعرَضت السَّعَادَة عَنْهَا بعد إقبالها وتفجعه فِي دمنها وتوجعه لتِلْك المحاسن الَّتِي أخذت من مأمنها وَإنَّهُ وجدهَا وَقد خلت من عراصها وزمت للنوى قلاصها وغربانها فِي رسومها ناعية وأيدي الرزايا بهَا لاعبة

(فَلم يدر رسم الدَّار كَيفَ يجيبنا ... وَلَا نَحن من فرط الأسى كَيفَ نسْأَل)

فنشكر الله بوقفه على تِلْكَ الدمن رقته الَّتِي قَابل بهَا جفوة الزَّمن وَرَأى لَهُ هَذَا الْعَهْد الَّذِي تمسكت الْآن مِنْهُ بِحَسب ورعى لَهُ حق الَّذِي جرى فَقضى للربع مَا وَجب وشاق الْمَمْلُوك توقفه فِي رسومها واسترواحه بنسيمها وسقياها بدمعه وتجديد الْعَهْد بمغناها الَّذِي كَانَ يرَاهُ بطرفه فَأصْبح يرَاهُ بسمعه وَلَقَد يعلم الله أَن الأحلام مَا مثلتها الْعين إِلَّا تأرقت وَلَا ذكرتها النَّفس إِلَّا تمزقت وَلَا تخيلها فكرته إِلَّا اسْتَقَرَّتْ على حَال من القلق وَلَا تمثلتها أمانيه إِلَّا وأمست مطايا دمعه فِي السَّبق

مَا قلت إيه بعدة المتسامرين النَّاس إِلَّا قَالَ دمعي آها على أَنه قد أصبح من ظلّ مَوْلَانَا فِي وَطن ونساه أَنه من ظعن وَمن قطن ومشرف بخدمته الَّتِي تعلي لمن خدمها منارا واستعار من الْأَيَّام الَّذِي أخذت مِنْهُ درهما وأعاضته عَنهُ دِينَارا واصبح لي عَن كل سفل بل شغل وَأما الأشواق

(فسل فُؤَادك عني ... يُخْبِرك مَا كَانَ مني)

(فَمَا ذكرت حبيباً ... إِلَّا وَذَلِكَ أَعنِي)

وَلَو أَنِّي اسْتَطَعْت غمضة طرفِي ووصفت مَا عَسى أَن أصف من الشوق كَانَ الْأَمر فَوق وصفي

(وَإِنِّي فِي دَاري وَأَهلي كأنني ... لبعدك لَا دَار لدي وَلَا أهل)

وَعرف الْمَمْلُوك الْإِشَارَة إِلَى هَذِه السفرة ومتاعبها والطرق ومصاعبها والثلوج الَّتِي شابت مِنْهَا مفارق الْجبَال والمفاوز الَّتِي تهيب المسرى بهَا طيف الخيال والمرجو من الله تَعَالَى أَن تكون العقبى مِنْهَا مَأْمُونَة والسلامة فِيهَا مَضْمُونَة وَكَأن مَوْلَانَا بالديار وَقد دنت وبالراحة وَقد أَنْت والتهاني وَقد شرفت بورودها هاتيك الرحاب والرياض وَقد أبدت من محَاسِن حسناتها مَا يكفر ذَنْب السَّحَاب والأنس قد أَمْسَى وَهُوَ مُجْتَمع القوى والرحلة وَقد أَلْقَت عصاها واستقرت بهَا النَّوَى)

قلت وَانْظُر إِلَى هَذَا السجع المصقول والقرائن الَّتِي تمكنت قوافيها واطمأنت وَهَذَا الْإِنْشَاء وَمَا فِيهِ من المنظوم وإيراده هَذِه الأبيات فِي أماكنها الَّتِي كَأَنَّهَا لم تقل إِلَّا فِي هَذَا الموطن وَتَأمل هَذِه الْفقر كَيفَ يغلب الْوَزْن على أَكْثَرهَا وَهَذِه غَايَة المنشئ البليغ وَلَيْسَ وَرَاء هَذِه غَايَة وَلكنه كَانَت وريته جَيِّدَة وَلَيْسَ لَهُ بديهة فَهُوَ يبطئ وَلَا يُخطئ وَقد تقدم ذكره فِي تَرْجَمَة فَخر الدّين ابْن لُقْمَان وَكَانَ تَاج الدّين مِمَّن كتب للناصر ابْن الْعَزِيز صَاحب الشَّام كتب لَهُ كتابا إِلَى هولاكو على يَد وَلَده

<<  <  ج: ص:  >  >>