وَأحسن إِلَيْهِ غَايَة الْإِحْسَان وَكَانَ يذهب إِلَى مَذْهَب الْمُعْتَزلَة فِي الْأُصُول وَإِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة فِي الْفُرُوع ويتعصب للطائي تعصباً زَائِدا ويفضل البحتري على أبي تَمام وَكَانَ صَاحب الْخَبَر والبريد فِي الدِّيوَان القادري وَكتب فَخر الْملك أَبُو غَالب إِلَى عمار بن أَحْمد الصَّيْرَفِي احْمِلْ إِلَى أبي الْحسن البتي مِائَتي دِينَار مَعَ امْرَأَة لَا يعرفهَا واكتب مَعهَا رقْعَة مترجمة وَقل فِيهَا قد دَعَاني مَا آثَرته من مخالطتك ورغبت فِيهِ من مودتك إِلَى استدعاء المواصلة مِنْك وافتتاح بَاب الملاطفة بيني وَبَيْنك وَقد أنفذت مَعَ الرَّسُول مِائَتي دِينَار فَأَخذهَا أَبُو الْحسن وَكتب على ظهر الرقعة مالٌ لَا أعرف مهديه فأشكر لَهُ مَا يوليه إِلَّا أَنه صَادف إضاقة دعت إِلَى أَخذه والاستعانة بِهِ فِي بعض الْأُمُور وَقلت
(وَلم أدر من ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ... سوى أَنه قد سل عَن ماجدٍ مَحْض)
وَإِذا سهل الله اتساعاً رددت الْعِوَض موفوراً وَكَانَ الْمُبْتَدِئ بِالْبرِّ مشكوراً
وَخرج إِلَيْهِ خَادِم فِي يَوْم الْأَضْحَى على الْعَادة فِي مثل ذَلِك فَقَالَ لَهُ رسم أَن تحصي أسقاط الْأَضَاحِي فَقَالَ لغلامه خُذ الدواة فَإِن الْقَوْم يُرِيدُونَ كيرعانياً وَلَا يُرِيدُونَ كَاتبا وَانْصَرف بِهَذَا المزح من الْخدمَة وَكَانَ بَينه وَبَين الرضي قد جرى كَلَام أوجب الْإِعْرَاض فاتفق أَن اجتاز بِالْقربِ من دَار الرضي فَقَالَ لغلامه مل بِنَا عَن تِلْكَ الدَّار فَإِنِّي أكره الْمُرُور بهَا
والتفت فَوَقَعت عينه على عين الرضي فَقَالَ متمماً لكَلَامه من غير أَن يقطعهُ فإنني لَا وَجه لي فِي لِقَائِه لطول جفائه فَاسْتحْسن مِنْهُ هَذَا وَدخل دَار الرضي واصطلحا
وَرَأى معلما يعرف بنفاط الْجِنّ قَبِيح الْوَجْه وَقد انكشفت سوءته فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا اسْتُرْ عورتك السُّفْلى فَإنَّك قد أدليت وَلَكِن بِغَيْر حجَّة
واستقبل أَبَا عبد الله بن الدراع وَهُوَ متكئ على يَد غُلَام أسود فَقَالَ أَبُو عبد الله هَذَا الْأسود يصلح لخدمة سيدنَا فَقَالَ البتي أَي الخدم فَقَالَ خدمَة الْفراش فَقَالَ اللَّهُمَّ غفراً أرمى بالبغاء وَلَيْسَ فِي منزلي خنفساء ويعرى مِنْهُ سيدنَا وَفِي دَاره جَمِيع بني حام
وَكَانَ يرْمى بالبغاء والأبنة والبخر فَوَقع بَينه وَبَين أبي الْقَاسِم ابْن فَهد ملاحاة ومنابذة ثمَّ أصلح)
فَخر الْملك بَينهمَا فَقَالَ فِي ذَلِك
(وكل شرطٍ للصلح أقبله ... إِن أَنْت أعفيتني من الْقبل)
وسقاه الفقاعي يَوْمًا فِي دَار فَخر الْملك فقاعاً لم يستلذه فَرد الْكوز مفكراً فَقَالَ لَهُ الفقاعي فِي أَي شَيْء تفكر فَقَالَ فِي دقة صنعتك كَيفَ أمكنك أَن تخرى فِي هَذِه الكيزان كلهَا مَعَ ضيق رَأسهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute