توجه وَالِده إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام ولاه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد مناصب وَالِده فِي تدريس المنصورية وَغير ذَلِك من السيفية والهكارية ومشيخة الحَدِيث بالجامع الطولوني وَالْجَامِع الظَّاهِرِيّ وَولى أَخَوَيْهِ أَيْضا وهما جمال الدّين الْحُسَيْن وتاج الدّين عبد الْوَهَّاب وَسَيَأْتِي ذكر كل مِنْهُمَا فِي مَكَانَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَقَامَ بالوظائف الْمَذْكُورَة أحسن من قيام وَالِده وَبلغ ذَلِك وَالِده وَهُوَ بِالشَّام فَقَالَ أَنْشدني ذَلِك من لَفظه
(دروس أَحْمد خيرٌ من دروس عَليّ ... وَذَاكَ عِنْد عَليّ غَايَة الأمل)
فَقلت مجيزاً لَهُ)
(لِأَن فِي الْفَرْع مَا فِي أَصله وَله ... زيادةٌ وَدَلِيل النَّاس فِيهِ جلي)
وَقَالَ أَيْضا وأنشدنيه من لَفظه
(أَبُو حامدٍ فِي الْعلم أَمْثَال أنجمٍ ... وَفِي النَّقْد كالإبريز أخْلص بالسبك)
(فأولهم من اسفرايين نشؤه ... وثانيهم الطوسي وَالثَّالِث السُّبْكِيّ)
فَقلت مجيزاً لَهُ
(وَلَكِن هَذَا آخرٌ فاق أَولا ... لقد فضل الحاكي لدي على المحكي)
(فَهَل ملكا ذَا الْفضل وَالسّن هَكَذَا ... على مَا أرى إِنِّي لذَلِك فِي شكّ)
واقترح عَلَيْهِ وَالِده قَاضِي الْقُضَاة وعمره يَوْمئِذٍ سِتّ عشرَة سنة أَو دون ذَلِك أَن ينظم على قَول ابْن المعتز
(علموني كَيفَ أسلو وَإِلَّا ... فاحجبوا عَن مقلتيّ الملاحا)
فَقَالَ وَهُوَ أول مَا نظم
(بِي ظباء قد تبدت صباحا ... نورها أصبح يَحْكِي الصباحا)
(قلت للعذال لما تغَالوا ... فِي ملامي بَعْدَمَا الْعذر لاحا)
(علموني كَيفَ أبْكِي وَإِلَّا ... فاحجبوا عَن مقلتي الملاحا)
وَقَالَ يمدح الْعَلامَة أثير الدّين أَبَا حَيَّان بقصيدة أَولهَا
(فداكم فؤادٌ حَان للبعد فَقده ... وصبٌ قضى وجدا وَمَا حَال عَهده)
(وقلبٌ جريحٌ بالغرام ميتمٌ ... وطرفٌ قريحٌ طَال فِي اللَّيْل سهده)
فَعجب الشَّيْخ أثير الدّين مِنْهُ وَمن سنه فَقَالَ فِيهِ
(أَبُو حامدٍ حتمٌ على النَّاس حَمده ... لما حَاز من علمٍ بِهِ بَان رشده)
(غذيّ علومٍ لم يزل مُنْذُ نشئه ... يلوح على أفق المعارف سعده)
(ذكيٌ كَأَن من جاحم النَّار ذهنه ... ذكاءً وَمن شمس الظهيرة وقده)