(كصعدةٍ فِي حَشا الظلماء طاعنةٍ ... تَسْقِي أسافلها ريا أعاليها)
(كلوءة اللَّيْل مهما أَقبلت ظلمٌ ... أمست لَهَا ظلمٌ للصحب تذكيها)
(وصيفةٌ لست مِنْهَا قَاضِيا وطراً ... إِن أَنْت لم تكسها تاجاً يحلّيها)
(صفراء هنديّةٌ فِي اللَّوْن إِن نعتت ... والقدّ واللين إِن أتمت تَشْبِيها)
(فالهند تقتل بالنيران أَنْفسهَا ... وَعِنْدهَا أنّ ذَاك الْقَتْل يُحْيِيهَا)
(مَا إِن تزَال تبيت اللَّيْل لاهيةً ... وَمَا بهَا علةٌ فِي الصَّدْر تظميها)
(تحيي اللَّيَالِي نورا وَهِي تقتلها ... بئس الْجَزَاء لعمر الله تجزيها)
(ورهاء لم يبد للأبصار لَابسهَا ... يَوْمًا وَلم يحجتب عَنْهُن غاديها)
(قدٌّ كقدّ قَمِيص قد تبطّنها ... وَلم يقدر عَلَيْهَا الثَّوْب كاسيها)
(غرّاء فرعاء لَا تنفكّ فاليةً ... تقص لمتها طوراً وتفليها)
(شيباء شعثاء لَا تُكْسَى غدائرها ... لون الشبيبة إِلَّا حِين تبليها)
(قناة ظلماء مَا يَنْفَكّ يأكلها ... سنانها طول طعنٍ أَو يشظّيها)
(مَفْتُوحَة الْعين تفني لَيْلهَا سهراً ... نعم وإفناؤها إِيَّاه يفنيها)
(وَرُبمَا نَالَ من أطرافها مرضٌ ... لم يشف مِنْهُ بِغَيْر الْقطع مشفيها)
)
(ويلمها فِي ظلام اللَّيْل مسْعدَة ... إِذا الهموم دعت قلبِي دواعيها)
(لَوْلَا اخْتِلَاف طباعينا بواحدةٍ ... وللطباع اختلافٌ فِي مبانيها)
(بِأَنَّهَا فِي سَواد اللَّيْل مظهرةٌ ... تِلْكَ الَّتِي فِي سَواد الْقلب أخفيها)
(وبيننا عبراتٌ إِن هم نظرُوا ... غيّضتها خوف واشٍ وَهِي تجريها)
(وَمَا بهَا موهناً لَو أَنَّهَا شكرت ... مَا بِي من الحرق اللَّاتِي أقاسيها)
(مَا عاندتها فِي اللَّيَالِي فِي مطالبها ... وَلَا عدتهَا العوادي فِي مباغيها)
(وَلَا رمتها ببعدٍ من أحبتها ... كَمَا رمتني وقربٍ من أعاديها)
(وَلَا تكابد حساداً أكابدها ... وَلَا تداجي بني دهرٍ أداجيها)
(وَلَا تشكى المطايا طول رحلتها ... وَلَا لأرجلها طردٌ بأيديها)
(إِلَى مَقَاصِد لم تبلغ أدانيها ... مَعَ كَثْرَة السَّعْي فضلا عَن أقاصيها)
(فليهنها أَنَّهَا باتت وَلَا هممي ... وَلَا همومي تعنيها وتعنيها)
(أبدت إليّ ابتساماً فِي خلال بكاً ... وعبرتي أَنا مَحْض الْحزن يمريها)
(فَقلت فِي جنح ليلٍ وَهِي واقفة ... وَنحن فِي حضرةٍ جلّت أياديها)
(لَو أَنَّهَا علمت فِي قرب من نصبت ... من الوى لثنت أعطافها تيها)