أَرَادَ فَاخْتلف فِي ذَلِك حولا فَقَالَت عتبَة لَو كَانَ عَاشِقًا كَمَا يزْعم لم يكن يخْتَلف مُنْذُ حول فِي التَّمْيِيز بَين الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَقد أعرض عَن ذكري صفحاً وَقَالَ فِي عمر بن الْعَلَاء من الْكَامِل
(إنّي أمنِتُ من الزَّمَان وَصَرفه ... لمّا علقتُ من الأميرِ حِبالا)
(لَو يَسْتَطِيع النَّاس من إجلاله ... تَخِذوا لَهُ حرَّ الخدود نِعالا)
(إنّ المطايا تشتكيك لأنّها ... قطعتْ إِلَيْك سباسباً ورِمالا)
(فَإِذا وَرَدْت بِنَا وَرَدْنَ خفائفاً ... وَإِذا صَدَرْنَ بِنَا صَدَرْنَ ثقالا)
فَأَبْطَأَ بره عَنهُ قَلِيلا فَكتب إِلَيْهِ من الطَّوِيل
(أَصَابَت علينا جودَك العينُ يَا عمرْ ... فَنحْن لَهَا نبغي التمائمَ والنُّشَرْ)
(سنرقيك بالأشعار حَتَّى تملّها ... وَإِن لم تُفِقْ مِنْهَا رقيناك بالسُّوَرْ)
)
فَأعْطَاهُ سبعين ألف دِرْهَم وخلع عَلَيْهِ حَتَّى عجز عَن الْقيام فغار الشُّعَرَاء لذَلِك فَجَمعهُمْ ثمَّ قَالَ يَا معشر الشُّعَرَاء عجبا لكم مَا أَشد حسدكم بَعْضًا لبَعض إِن أحدكُم يأتينا يمدحنا بقصيدة يشبب فِيهَا بصديقته خمسين بَيْتا فَمَا يبلغنَا حَتَّى تذْهب لذاذة مدحه ورونق شعره وَقد أَتَانَا أَبُو الْعَتَاهِيَة فشبب بِأَبْيَات يسيرَة ثمَّ قَالَ وَأنْشد الأبيات وَقَالَ أَشْجَع السّلمِيّ أذن الْخَلِيفَة الْمهْدي للنَّاس فِي الدُّخُول عَلَيْهِ فَدَخَلْنَا وأمرنا بِالْجُلُوسِ فاتفق أَن جلس إِلَى جَانِبي بشار بن برد وَسكت الْمهْدي وَسمع بشار حسا فَقَالَ لي من هَذَا فَقلت أَبُو الْعَتَاهِيَة فَقَالَ أتراه ينشد فِي هَذَا المحفل فَقلت أَحْسبهُ سيفعل قَالَ فَأمره الْمهْدي أَن ينشد فَأَنْشد من المتقارب
(أَلا مَا لسيّدتي مَا لَهَا ... تُدِلّ وأَحمِلُ إدلالها)
(وإلاّ فَفِيمَ تجنَّتْ وَلَا ... جنيتُ سقى الله أطلالها)
(أَلا إنّ جَارِيَة للإما ... م قد أسكن الحسنُ سربالَها)
(مشت بَين حورٍ قصار الخطا ... تُجاذبِ فِي الْمَشْي أكفالها)
(وَقد أتْعب الله نَفسِي بهَا ... وأتعبَ باللوم عُدّالها)
فَقَالَ بشار وَيحك يَا أَخا سليم مَا أَدْرِي من أَي أمريه أعجب أَمن ضعف شعره أم تشبيبه بِجَارِيَة الْخَلِيفَة ويسمعه ذَلِك بِإِذْنِهِ حَتَّى أَتَى على قَوْله من المتقارب
(أَتَتْهُ الْخلَافَة منقادة ... إِلَيْهِ تُجرِّر أذيالها)
(فَلم تَكُ تصلح إلاّ لَهُ ... وَلم يَك يصلح إلاّ لَهَا)
(وَلَو رامها أحدٌ غيرهُ ... لزُلزِلت الأَرْض زلزالَها)
(وَلَو لم تُطِعْه بناتُ الْقُلُوب ... لما قَبِل الله أَعمالهَا)