(وَإِن الخليفةَ من بُغضِ لَا ... إِلَيْهِ لَيُبْغِضُ مَن قَالَهَا)
فَقَالَ بشار وَيحك يَا أَشْجَع هَل طَار الْخَلِيفَة عَن فرشه قَالَ أَشْجَع فو الله مَا انْصَرف أحد عَن ذَلِك الْمجْلس بجائزة غير أبي الْعَتَاهِيَة ونسك آخر عمره وَقَالَ فِي الزّهْد أشعاراً كَثِيرَة
وَقد عجز الروَاة أَن يضبطوا شعر بشار بن برد وَالسَّيِّد الْحِمْيَرِي وَأبي الْعَتَاهِيَة لِكَثْرَة أشعارهم ولقب أَبَا الْعَتَاهِيَة لاضطراب كَانَ فِيهِ وَقيل بل كَانَ يحب الخلاعة والمجون فلقب بذلك لعتوه وَكَانَ أَبُو نواس يعظمه ويخضع لَهُ وَيَقُول وَالله مَا رَأَيْته إِلَّا أَنِّي أرضي وَأَنه سماوي وَحكي أَن أَبَاهُ كَانَ حجاماً وَلذَلِك قَالَ من الطَّوِيل)
(أَلا إنّما التَّقْوَى هِيَ الْعَزْم والكرَمْ ... وحبّك للدنيا هُوَ الْفقر والعدّمْ)
(وَلَيْسَت على عبدٍ تقيّ نقيصةٌ ... إِذا صحّح التَّقْوَى وَإِن حاك أَو حجمْ)
وَمن شعره من الطَّوِيل
(إِذا الْمَرْء لم يعْتق من المَال نَفسه ... تملّكه المالُ الَّذِي هُوَ مالكُهُ)
(أَلا إنّما مَالِي الَّذِي أَنا منفقٌ ... وَلَيْسَ ليَ المَال الَّذِي أَنا تاركُهُ)
(إِذا كنتَ ذَا مالٍ فبادِرْ بِهِ الَّذِي ... يحقُّ وإلاّ استهلكَتْه مَهالكُهُ)
فَقيل لَهُ لما أنْشد هَذِه الأبيات كَيفَ تَقول هَذَا وتحبس عنْدك سبعا وَعشْرين بدرة فِي دَارك لَا تَأْكُل مِنْهَا وَلَا تشرب وَلَا تزكي فَقَالَ لَهو الْحق وَلَكِنِّي أَخَاف الْفقر وَالْحَاجة وَلَقَد أَشْتَرِي من عيد إِلَى عيد وَلَقَد اشْتريت فِي يَوْم عَاشُورَاء لَحْمًا وتوابله بِخَمْسَة دَرَاهِم وَكَانَ لَهُ جَار ضَعِيف الْحَال جدا متجمل يلتقط النَّوَى وَكَانَ يمر بِأبي الْعَتَاهِيَة فَيَقُول اللَّهُمَّ أعنه على مَا هُوَ بسبيله وَيَدْعُو لَهُ إِلَى أَن مَاتَ الشَّيْخ نَحوا من عشْرين سنة وَلم يزده على الدُّعَاء شَيْئا فَقيل لَهُ يَا أَبَا إِسْحَاق نرَاك تكْثر الدُّعَاء لذَلِك الشَّيْخ وتزعم أَنه فَقير معيل فَلم لَا تَتَصَدَّق عَلَيْهِ بِشَيْء فَقَالَ أخْشَى أَن يعْتَاد الصَّدَقَة وَالصَّدَََقَة آخر مكاسب العَبْد وَإِن فِي الدُّعَاء لخيراً كثيرا
وَقَالَ مُحَمَّد بن عِيسَى الحرقي وَكَانَ جاراً لأبي الْعَتَاهِيَة قَالَ كَانَ سَائل من العيارين الظرفاء وقف على أبي الْعَتَاهِيَة وَجَمَاعَة جِيرَانه حوله فَسَأَلَهُ فَقَالَ صنع الله لَك فَأَعَادَ السُّؤَال ورد مثل ذَلِك فَأَعَادَ الثَّالِثَة فَرد مثل ذَلِك فَغَضب وَقَالَ أَلَسْت الَّذِي يَقُول من المديد
(كلّ حيٍ عِنْد ميتَته ... حظُّه من مَاله الكفنُ)
قَالَ نعم قَالَ فبالله أَتُرِيدُ أَن تعد مَالك كُله لثمن كفنك قَالَ لَا قَالَ بِاللَّه كم قدرت لكفنك قَالَ خَمْسَة دَنَانِير قَالَ هِيَ حظك إِذا من مَالك قَالَ نعم قَالَ فَتصدق عَليّ من غير حظك بدرهم وَاحِد قَالَ لَو تَصَدَّقت عَلَيْك لَكَانَ حظي قَالَ فاعمل على أَن دِينَارا من الْخَمْسَة وضيعته قِيرَاط وادفع إِلَيّ قيراطاً وَاحِدًا وَإِلَّا فَوَاحِدَة أُخْرَى قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ الْقُبُور تحفر بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَأعْطِنِي درهما وأقيم لَك كَفِيلا بِأَنِّي أحفر لَك قبرك مَتى مت وتربح دِرْهَمَيْنِ لم يَكُونَا فِي حِسَابك فَإِن لم أحفر لَك رَددته على وَرثتك أَو رده كفيلي عَلَيْهِم فَخَجِلَ أَبُو الْعَتَاهِيَة وَقَالَ