الحواصل وسد الثغور وملئها بالذخائر والحواصل وعمارتها بالزردخانات والآلات لَا يزَال يتقاضى هَذَا بِنَفسِهِ ويتوكل بِهِ حَتَّى يكون إِلَّا أَنه كَانَ رجلا يسمع كَلَام كل قَائِل وَيبقى أَثَره فِي قلبه إِلَّا أَنه لَا يرتب عَلَيْهِ شرا وَلَا أذيةً وأبلى فِي نوبَة غازان الأولى بلَاء حسنا وَقَاتل قتالاً عَظِيما وَلما وَقعت الْهَزِيمَة على الْمُسلمين وعاث فيهم أهل كسروان أثر ذَلِك فِي قلبه فَلَمَّا عَاد إِلَى دمشق توجه إِلَيْهِم ونازلهم فَلم يحصل مِنْهُم على طائل واشتغل بأراجيف التتار إِلَى أَن فرغوا من نوبَة مرج الصفر فَجعل كسروان دأبه وَكتب إِلَى أسندمر نَائِب طرابلس وَطلب نَائِب صفد وجمعوا الرِّجَال وَأَحَاطُوا بِالْجَبَلِ من كل جِهَة وَتردد الشَّيْخ الْعَلامَة الإِمَام تَقِيّ الدّين بَينهم وَبينهمْ فَلم يفد فيهم فأظهره الله عَلَيْهِم وظفره بهم وكتبت كتب البشائر بذلك وَأحسن مَا وَقع فِيهَا كتاب كتبه الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني افتتحه بقوله تَعَالَى ويسألون عَن الْجبَال فقُلْ يَنْسِفهُا ربّي نَسْفاً ومدح الأفرم فِيهَا بعدة مدائح جمعهَا شمس الدّين الطَّيِّبِيّ هِيَ وَكَثِيرًا مِمَّا كتب فِي هَذِه الْوَاقِعَة وسماها وَاقعَة كسروان
وَلم يزل الأفرم على نيابته فِي أرغد عَيْش وَأعظم تمكن وَتصرف حَتَّى بلغ من أمره أَنه كَانَ يكْتب تواقيه بوظائف كَبِيرَة ويبعثها إِلَى مصر ليعلم السُّلْطَان عَلَيْهَا وكتبت فِي دمشق عَن السُّلْطَان بِالْإِشَارَةِ الْعَالِيَة الأميرية الكافلية الجمالية كافل الشَّام أعزها الله تَعَالَى وشكا إِلَيْهِ ضوء بن صباح أحد قصاد الْخدمَة أَن جامكيته نقصت فَقَالَ من فعل ذَلِك فَقَالَ لَهُ ابْن سعيد الدولة وَكَانَ ابْن سعيد الدولة إِذْ ذَاك مشير الدولة وجليس السُّلْطَان وَمَكَان ثقته وَلَا يعلم)
السُّلْطَان المظفر على شَيْء حَتَّى يكْتب عَلَيْهِ ابْن سعيد الدولة يحْتَاج إِلَى الْخط الشريف فَكتب الأفرم إِلَى ابْن سعيد الدولة هَكَذَا ابْتِدَاء والك يَا ابْن سعيد الدولة مَا أَنْت إِلَّا ابْن تعيس الدولة والك وصلت إِلَى أَنَّك تقطع جوامك القصاد الَّذين هم عين الْإِسْلَام وَمن هَذَا وأشباهه وَالله إِن عدت تعرضت لأحد فِي الشَّام بعثت من يقطع رَأسك وَيَجِيء بِهِ فِي مخلاة وجهز بِهِ مَمْلُوكا من مماليكه على الْبَرِيد قصدا وَأمره أَن يُعْطِيهِ الْكتاب فِي وسط المحفل وَيَقُول لَهُ من نِسْبَة مَا فِي الْكتاب فَفعل ذَلِك فَدخل إِلَى السُّلْطَان وَأرَاهُ الْكتاب فقرأه ثمَّ أطرق زَمَانا وَقَالَ لَهُ أَرض الأفرم وَإِلَّا أَنا وَالله بالبرا مِنْك وَالله إِن عمل مَعَك شَيْئا مَا نقدر ننفعك وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن حضر السُّلْطَان من الكرك وقفز الْأُمَرَاء إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وَبَقِي الأفرم وَحده فهرب الأفرم هُوَ وَابْن صبح الْأَمِير عَلَاء الدّين إِلَى شقيف أرنون ثمَّ إِنَّه أَمن فَحَضَرَ إِلَى دمشق فَأكْرمه السُّلْطَان وَأقرهُ على نِيَابَة دمشق فِي الرّكُوب وَالنُّزُول وَالْوُقُوف وَقِرَاءَة الْقَصَص وسافر مَعَه إِلَى مصر على تِلْكَ الْحَال فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان على تخت الْملك أعْطى الأفرم صرخذ على عَادَة كتبغا الْعَادِل لما أَخذهَا بعد الْملك وَأخرج سلار إِلَى الشوبك فَجَاءَت الْأَخْبَار إِلَى السُّلْطَان أَن الأفرم وسلار يتراسلان فولى الأفرم نِيَابَة طرابلس وَقَالَ لَهُ لَا تدخل دمشق خشيَة أَن تنشب أَظْفَاره فِيهَا وَيقوم أَهلهَا مَعَه لمحبتهم لَهُ فَتوجه إِلَى طرابلس على مشاريق مرج دمشق وَأقَام بطرابلس وَهُوَ على وَجل فَكَانَ يخرج بعد الْعشَاء مختفياً هُوَ من يَثِق إِلَيْهِ من دَار السلطنة كل لَيْلَة إِلَى مَكَان ينامون فِيهِ بالنوبة وخيلهم مَعَهم وَرُبمَا هوموا على ظُهُور