أَخْبرنِي من رَآهُ قَالَ كَانَ فِي اسطبله تِسْعَة عشر سرجاً زرجونياً فَلَمَّا شنع على الجاولي أَن إقطاعات مماليكه من الثَّلَاثِينَ ألفا وَمَا دونهَا راك الأخباز وَأعْطى لعلاء الدّين الْمَذْكُور إقطاعاً دون مَا كَانَ بِيَدِهِ فَتَركه وَمضى إِلَى مصر بِغَيْر رضى من الْأَمِير علم الدّين فراعى النَّاس خاطر مخدومه وَلم يقدر أحد يستخدمه فَأَقَامَ يَأْكُل من حَاصله فِي مصر زَمَانا ثمَّ حضر إِلَى صفد فَأكْرم نزله الْأَمِير سيف الدّين أرقطاعي النَّائِب بهَا وَكتب لَهُ مربعةً بإقطاع وَتوجه بِهِ إِلَى مصر فَخرج عَنهُ فورد إِلَى دمشق فَأكْرمه الْأَمِير سيف الدّين تنكز وَأَعْطَاهُ إقطاعاً فِي حَلقَة دمشق وَوَقع بَينه وَبَين الْأَمِير علم الدّين بِسَبَبِهِ وَبَقِي بِدِمَشْق إِلَى أَن أمسك الجاولي وَحبس ثمَّ أفرج عَنهُ فَتوجه إِلَيْهِ وخدمه مُدَّة ثمَّ أخرجه إِلَى الشَّام شاداً على أوقاف الْمَنْصُور الَّتِي تخْتَص بالبيمارستان)
وَهُوَ نَادِر فِي أَبنَاء جنسه من الشكالة المليحة وَلعب الرمْح والفروسية والذكاء وَلعب الشطرنج والنرد ونظم الشّعْر الْجيد لَا سِيمَا فِي المقطعات فَإِنَّهُ يجيدها وَله القصائد المطولة وَيعرف فقهاً على مَذْهَب الشَّافِعِي وَيعرف أصولاً ويبحث جيدا وَلكنه سَالَ ذهنه لما اجْتمع بالشيخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَمَال إِلَى رَأْيه ثمَّ تراجع عَن ذَلِك إِلَّا بقايا اجْتمعت بِهِ كثيرا فِي صفد والديار المصرية ودمشق وَهُوَ حسن الْعشْرَة لطيف الْأَخْلَاق فِيهِ سماحة وأنشدني كثيرا من شعره فَمن ذَلِك من الْبَسِيط
(سبِّحْ فقد لَاحَ برقُ الثغر بالبَردِ ... واستسقِ كأس الطلا من كفّ ذِي مَيَدِ)
(مستعربُ اللَّفْظ للأتراك نسبتُه ... لَهُ على كلّ صَبٍّ صولةُ الأسدِ)
(يَا عاذلي خلِّني فالحُسن قلدَّه ... عِقداً من الدرّ لَا حبلاً من المسَدِ)
(ويلٌ لمن لامَني فِيهِ ومقلتهُ ... نفّاثة النَّبل لَا نفّاثة العُقَد)
وأنشدني من لَفظه أَيْضا لنَفسِهِ من الْكَامِل
(خَودٌ زُهي فَوق المراشف خالها ... فلئن فُتِنْتُ بِهِ فلستُ أُلامُ)
(فكأنَّ مَبْسِنها وأسودَ خالها ... مسكٌ على كأس الرَّحِيق ختامُ)
وأنشدني أيضاُ لنَفسِهِ من المجتث
(وبارِدِ الثغر حلوٍ ... بمرشفٍ فِيهِ حُوّهْ)
(وخَصْره فِي انتحالٍ ... يُبدي من الضعْف قوّهْ)
وأنشدني من لَفْظَة لنَفسِهِ من الْخَفِيف
(ردْفُه زَاد فِي الثقالة حَتَّى ... اقعد الخصر والقوامً السَّوِيّا)
(نَهَضَ الخصرُ والقوام وقاما ... وضعيفان يغلبان قويّا)
وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ من الطَّوِيل