(أرى لي وَجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجهٍ وقبح حامله)
فَأخذ عمر عَلَيْهِ أَن لَا يهجو أحدا وَجعل لَهُ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم اشْترى بهَا أَعْرَاض الْمُسلمين
فَقَالَ الحطيئة من الْكَامِل
(أخذت أَطْرَاف الْكَلَام فَلم تدع ... شتماً يضر وَلَا مديحاً ينفع)
(ومنعتني عرض الْبَخِيل فَلم يخف ... شتمي وَأصْبح آمنا لَا يجزع)
وَلما حضرت الحطيئة الْوَفَاة اجْتمع إِلَيْهِ قومه فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا مليكَة أوص فَقَالَ ويل للشعر من رِوَايَة السوء
فَقَالُوا أوص يَرْحَمك الله يَا حطي فَقَالَ من الَّذِي يَقُول من الطَّوِيل
(إِذا أنبض الرامون عَنْهَا ترنمت ... ترنم ثَكْلَى أوجعتها الْجَنَائِز)
قَالُوا الشماخ
قَالَ أبلغوا غطفان أَنه اشعر الْعَرَب
فَقَالُوا لَهُ وَيحك أوص بِمَا ينفعك فَقَالَ أبلغوا أهل ضابىء أَنه شَاعِر حَيْثُ يَقُول من الطَّوِيل
(لكل جديدٍ لَذَّة غير أنني ... وجدت جَدِيد الْمَوْت غير لذيذ)
فَقَالُوا أوص وَيحك بِمَا ينفعك قَالَ أبلغوا امْرأ الْقَيْس أَنه أشعر الْعَرَب حَيْثُ يَقُول من الطَّوِيل
(فيا لَك من ليلٍ كَأَن نجومه ... بِكُل مغار الفتل شدت بيذبل)
فَقَالُوا إتق الله ودع عَنْك
قَالَ أبلغوا الْأَنْصَار أَن شَاعِرهمْ اشعر الْعَرَب حَيْثُ يَقُول من الْكَامِل
(يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل)
فَقَالُوا إِن هَذَا لايغني عَنْك شَيْئا فَقل غير مَا أَنْت فِيهِ فَقَالَ من الرجز
(الشّعْر صَعب وطويل سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لايعلمه)
(زلت بِهِ إِلَى الحضيض قدمه ... يُرِيد أَن يعربه فيعجمه)
قَالُوا هَذَا مثل الَّذِي كنت فِيهِ فَقَالَ من الرجز
(قد كنت أَحْيَانًا شَدِيد الْمُعْتَمد ... وَكنت ذَا غربٍ على الْخصم أَلد)
)
فوردت نَفسِي وَمَا كَادَت ترد
قَالُوا يَا أَبَا مليكَة أَلَك حَاجَة قَالَ لَا وَالله وَلَكِن أجزع على المديح الْجيد يمدح بِهِ من لَيْسَ لَهُ أَهلا
قَالُوا فَمن اشعر النَّاس فَأَوْمأ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ هَذَا الجحير إِذا طمع فِي خير واستعبر باكياً
فَقَالُوا لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ من الرجز
(