للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالَّذِي عِنْد أَكثر النَّاس فِي نسب أبي تَمام أَن أَبَاهُ كَانَ نَصْرَانِيّا من أهل جاسم قَرْيَة من قرى دمشق يُقَال لَهُ تذوس الْعَطَّار فجعلوه أَوْسًا وَكَانَ أوحد عصره فِي ديباجة لَفظه وصناعة شعره وَحسن أسلوبه وَكَانَ لَهُ من المحفوظات مَا لَا يلْحقهُ فِيهِ غَيره قبل إِنَّه كَانَ يحفظ أَرْبَعَة عشر ألف أرجوزة للْعَرَب غير المقاطيع والقصائد وَله كتاب الحماسة وَهُوَ كتاب يدل على حسن اخْتِيَاره

قلت هِيَ أَرْبَعَة آلَاف بَيت وَمِائَتَا بَيت وَثَمَانِية أَبْيَات يكون الْجيد فِيهَا ألف بَيت وَقد اخْتَرْت جيدها فَكَانَ ألف بَيت وَمِائَة بَيت وَثَلَاثَة وَعشْرين بَيْتا وسمَّيت ذَلِك نفائس الحماسة بَعْدَمَا رتبت كل بَاب مِنْهَا على حُرُوف المعجم

وَمِمَّنْ شرح الحماسة أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد الاستراباذي وحماسة البحتري أحسن مِنْهَا وأكبر وَأكْثر أنواعاً وَإِنَّمَا سميت الحماسة لِأَن أول بَاب فِيهَا هُوَ بَاب الحماسة وَهَذَا من بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء باسم جزئه كَالصَّلَاةِ وَالصَّلَاة الدُّعَاء وَالدُّعَاء بعض أَجزَاء الصَّلَاة وَهَذَا نوع من الْمجَاز وَأَبُو تَمام لَهُ الحماسة الْكُبْرَى والحماسة الصُّغْرَى)

وَقد عمل النَّاس حماسات كَثِيرَة مِنْهَا حماسة البحتري والحماسة البصرية وحماسة الأعلم الشنتمري وحماسة الشجري وحماسة ابْن أَفْلح وحماسة البيّاسي وحماسة شميم الحلّي

وحماسة الجراوي والحاسة المحدثة لِابْنِ عمارس وحماسة الجصَّاني وحماسة ابْن الْمَرْزُبَان مُحَمَّد بن خلف

وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي أمره وَأمر المتنبي أَيهمَا أشعر والأذكياء على أَن المتنبي أشعر وَالشَّيْخ أثير الدّين مذْهبه أَن أَبَا تَمام أشعر وفاوضناه يَوْمًا فِي ذَلِك فَقَالَ بعد مَا ذكرنَا محَاسِن المتنبي ومعايب أبي تَمام أَنا مَا أسمع عذلاً فِي حبيب فأعجبنا مِنْهُ ذَلِك وسكتنا وَهَذَا كَانَ مَذْهَب شَيْخه بهاء الدّين بن النّحاس وَالَّذِي أقوله أَنا إِنَّنِي اخْتَرْت شعر الْإِثْنَيْنِ فجَاء مُخْتَار المتنبي ألفا وستمئة بَيت من جملَة سِتَّة آلَاف بيتٍ وَجَاء مُخْتَار أبي تَمام قَرِيبا من ثمانمئة بَيت من جملَة ثَمَانِيَة آلَاف بَيت أَو مَا حولهَا وَلَا شكَّ أنّ من لَهُ ألف وستمئة من سِتَّة آلَاف أشعر مِمَّن لَهُ ثمانمئة من ثَمَانِيَة آلَاف والإنصاف يقْضِي بذلك لَكِن أَبُو تَمام مُتَقَدم وَهُوَ الَّذِي فتح بَاب البديع وغاص على الْمَعْنى الدَّقِيق وَمَات وَله من الْعُمر ثَلَاثُونَ سنة وكسورٌ فَلَو عمِّر عمر المتنبي وَتَأَخر زَمَانه حَتَّى يرى أَقْوَال من تقدّمه كَانَ أشعر من المتنبي لِأَن المتنبي تقدّمه فحول من الشُّعَرَاء مثل أبي تَمام والبحتري وَابْن الرُّومِي وَابْن المعتز وأمثالهم فَأخذ محاسنهم وَرَأى أنموذج جيدهم فنسج على ذَلِك المنوال

وَفِي أبي تَمام قَالَ مخلد بن بكارٍ الْموصِلِي من السَّرِيع

(أنظر إِلَيْهِ وَإِلَى ظرفه ... كَيفَ تطايا وَهُوَ منثور)

<<  <  ج: ص:  >  >>