للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فأطنب ثمَّ قَالَ نعم الرجل هُوَ لَوْلَا أَنه يرتاح فِي الأسحار وَأَنت تَقول مَا راقني سحر فَمَا زلت أخضع لَهُ حَتَّى تركني وَقَالَ خرجت مرّة مَعَ الْكَامِل إِلَى الصَّيْد فَنَهَضَ بِاللَّيْلِ لصيد الطير وَأَمرَنِي بالكون مَعَه فَقلت يَا مَوْلَانَا لَا أحسن الصَّيْد وَلَا أحبه فاعفني فَلم يقبل وَمضى)

بسفنه وَمن مَعَه وَتَرَكَنِي وَأمر رجلا من الحرس أَن يكون مني بِحَيْثُ أَن يرى مَا يكون مني

فمنت فَلَمَّا انْتَبَهت لم أر أحدا البتَّة فَقلت من الْبَسِيط إِن كُنْتُم قد ولتعم بالجفاء وسسلمتم لي الهمَّ تسليمي إِلَى الحرس

(فكلُّ ماءٍ سرت فِيهِ مراكبكم ... دمعي وكلُّ هواءٍ مزعجٍ نَفسِي)

وَقَالَ وَقع بيني وَبَين أَوْلَاد الشَّيْخ وَاقع أوجب تركي لَهُم بعد ودٍّ أكيد فشكوني إِلَى الْكَامِل

فتنكَّر لي وتنمَّر وَعَبس وَقَالَ مَا لي أرى فَخر الدّين عتْبَان عَلَيْك قلت لسوء مُعَامَلَته لي فَقلت إِن رسم مَوْلَانَا السلطات خلَّد الله ملكه أَن أكون جليس بَيْتِي وأنقطع عَن الْخدمَة فعلت ذَلِك دَاعيا لأيامه فَإِنِّي عَاجز عَن مداراة هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَا أكلِّفك هَذَا وَلَكِن آمُر الغلمان أَنهم مَتى رأوك أخذُوا نعالك قَالَ فهوَّنت ذَلِك وَقلت مَا عَسى أَن يبلغ بِي إِذا ثمَّ أَمرنِي بالملازمة فَجعلت أجيء فَكَمَا يَقع عليَّ عين الغلمان أخذُوا نَعْلي من رجْلي فَأدْخل إِلَيْهِ مرّة حافياً وَمرَّة بخفافي وَقد تنجَّست بالطين فَإِذا أردْت أَن أَطَأ الْبسَاط نَادَى السُّلْطَان وَمن حَضَره لَا تنجِّس الْبسط فَدخلت إِلَيْهِ يَوْمًا وأنشدته من الْكَامِل

(مولَايَ إنَّك قد قتلت حواسدي ... لَو يعلمُونَ بِأَحْسَن الألطاف)

(مَا إِن أمرت بخلع نَعْلي دَائِما ... إِلَّا لتجعلني كبشر الحافي)

قَالَ فتبسّم وَقَالَ نعم أحسناً إِلَيْك ورفعناك إِلَى هَذِه الدرجَة فاشكرنا إِذْ جعلناك مثل ذَلِك الرجل الصَّالح وَلم يغيِّر شَيْئا ثمَّ دخلت يَوْمًا وَقد رشُّوا الطَّرِيق بِالْمَاءِ فملأت خفافي بالطين وَصَاح الغلمان لَا تدس الْبسط فتقدمت وأنشدت من السَّرِيع

(يَا ملك الدُّنْيَا وَمن حازها ... بعدله والبذل والباس)

(أَمرتنِي أَن لَا أَطَأ حافياً ... بساطك المغتصَّ بِالنَّاسِ)

(قلي مَا أصنع فِي قدرتي ... أجعَل رجليَّ على راسي)

قَالَ فتبسّم وَلم يغيِّر شَيْئا فعجزت وَقصرت حيلتي وَجعلت أَحْلف لَهُ أَن ذَلِك بلغ مني مبلغا عَظِيما وَلَقِيت مِنْهُ شدّةً وأسأله الْعَفو فَلَا يزيدني على الضحك فشكوت ذَلِك إِلَى الصّلاح الإربلي الشَّاعِر فَقَالَ عِنْدِي لَك حِيلَة إِن شكرتها لي علَّكمتكها فَقلت مَا أشكرني لما يذهب عني هَذِه الوصمة فَقَالَ إِذا دخلت على السُّلْطَان فقع على نَعله وخذها بمنديلك وَقل يَا مَوْلَانَا إنَّ نَعْلي قد استجارت بِهَذِهِ النَّعْل كَمَا أَن صَاحبهَا ملك الْمُلُوك قَالَ فَفعلت ذَلِك)

فَضَحِك حَتَّى اسْتلْقى وَقَالَ بحياتي من علَّمك هَذَا قلت صَلَاح الدّين قَالَ قد علمت أَنَّهَا من فعلاته وأعفاني وَمن شعره من الْكَامِل

<<  <  ج: ص:  >  >>