من مَعَه وحبسه بطور هرون فَبَقيَ ثَلَاث ليالٍ وَاتفقَ أَن المستعصم دهمه أَمر التتار فَكتب إِلَى صَاحب الشَّام يستمدّه وَيطْلب جَيْشًا يكون مقدَّمه النَّاصِر دَاوُد فَطَلَبه من المغيث فَأخْرجهُ وَقدم إِلَى دمشق وَنزل بقربة البويضا قرب الْبَلَد وَأخذ يتجهَّز للمسير فَجَاءَت الْأَخْبَار بِمَا جلى على بَغْدَاد من التتار وَعرض طاعون بِالشَّام عقيب وَاقعَة بَغْدَاد فطعن النَّاصِر فِي جنبه فَتوفي لَيْلَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَخمسين وست مائَة وَركب السُّلْطَان إِلَى البويضا وَأظْهر التأسف عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا كَبِيرنَا وَشَيخنَا ثمَّ حمل إِلَى تربة وَالِده بسفح قاسيون وَكَانَت أمه خوارزمية فَعَاشَتْ بعده مُدَّة
وَكَانَ رَحمَه الله معتنياً بتحصيل الْكتب النفيسة ووفد عَلَيْهِ رَاجِح الحلِّي ومدحه فوصل إِلَيْهِ مِنْهُ مَا يزِيد على أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَأَعْطَاهُ على قصيدةٍ واحدةٍ ألف دِينَار وَأقَام عِنْد الخسروشاهي فوصله بأموالٍ جزيلة وَكتب الْملك النَّاصِر دَاوُد إِلَى وزيره فَخر الْقُضَاة أبي)
الْفَتْح نصر الله ابْن بصاقة من الْكَامِل
(يَا لَيْلَة قطَّعت عمر ظلامها ... بمدامةٍ صفراء ذَات تأجُّج)
(بالسَّاحل النامي رَوَائِح نشره ... عَن روضه المتضوَّع المتأرِّج)
(واليمُّ زاهٍ قد جرى تياره ... من بعد طول تقلُّق وتموُّج)
(طوراً يدغدغه النسيم وَتارَة ... يكرى فتوقظه بَنَات الْخَزْرَج)
(والبدر قد ألْقى سنا أنواره ... فِي لجِّه المتجعِّد المتدبِّج)
(فَكَأَنَّهُ إِذْ قدَّصفحة مَتنه ... بشعاعه المتوقِّد المتوهِّج)
(نهر تكوّن من نضارٍ يانعٍ ... يجْرِي على أرضٍ من الفيروزج)
فَكتب إِلَيْهِ ابْن بصاقة وَأما الأبيات الجيميّة الجمَّة الْمعَانِي المحكمة المباني المعوَّذة بالسبع المثاني فَإِنَّهَا حَسَنَة النِّظام بعيدَة المرام مُتَقَدّمَة على شعر الْجَاهِلِيَّة وَمن عاصرها فِي الْإِسْلَام
قد أخذت بِمَجَامِع الْقُلُوب فِي الإبداع واستولت على المحاسن فَهِيَ نزهة الْأَبْصَار والأسماع ولعبت بالعقول لعب الشَّمول إِلَّا أَن تِلْكَ خرقاء وَهَذِه صناع فَإِذا اعْتبرت ألفاظها كَانَت درّاً منظوماً وَإِذا اختبرت مَعَانِيهَا كَانَت رحيقاً مَخْتُومًا جلَّت بعلوِّها عَن الْمعَانِي المطروقة والمعاني المسروقة ودلَّت بعلوّها أَنَّهَا من نظم الْمُلُوك لَا السُّوقة فَلَو وجدهَا ابْن المعتزّ لألقى زورقه الْفضة فِي نهرها وَألقى حمولته العنبر فِي بحرها وألفى تشبيهاته بأسرها فِي أسرها
وَلَو لقيها ابْن حمدَان لاغتمّ فِي قَوس الْغَمَام وانبرى بري السِّهَام وتعطّى من أذيال غلائله المصبغّة بذيل الظَّلام وَلَو سَمعهَا امْرُؤ