(إِنِّي حَلَفت لَئِن رَأَيْتُك سالما ... بقرى الْعرَاق وَأَنت ذُو وفر)
(لتصلين على النَّبِي مُحَمَّد ... ولتملأن دراهماً حجري)
قَالَ الْمهْدي أما الأولى فَنعم وَأما الثَّانِيَة فَلَا فَقَالَ جعلني الله فدَاك إنَّهُمَا كلمتان لَا يفرق بَينهمَا فَقَالَ يمْلَأ حجر أبي دلامة دَرَاهِم
فَقعدَ وَبسط حجره فملئ دَرَاهِم فَقَالَ قُم الْآن يَا أَبَا دلامة فَقَالَ يتخرق قَمِيصِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى أشيل الدَّرَاهِم وأقوم فَردهَا إِلَى الأكياس وَقَامَ
وَمرض وَلَده فاستدعى طَبِيبا ليداويه وَجعل لَهُ جعلا فَلَمَّا برِئ قَالَ لَهُ وَالله مَا عندنَا مَا نعطيك وَلَكِن ادْع على فلَان الْيَهُودِيّ وَكَانَ ذَا مَال بِمِقْدَار الْجعل وَأَنا وَوَلَدي نشْهد لَك
فَمضى الطَّبِيب إِلَى قَاضِي الْكُوفَة يَوْمئِذٍ وَكَانَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَقيل عبد الله بن شبْرمَة وَحمل إِلَيْهِ الْيَهُودِيّ الْمَذْكُور وَادّعى عَلَيْهِ فَأنْكر الْيَهُودِيّ
فَقَالَ لي بَيِّنَة وَخرج لإحضارها فأحضر أَبَا دلامة وَابْنه فدخلا إِلَى الْمجْلس وَخَافَ أَبُو دلامة أَن يُطَالِبهُ القَاضِي بالتزكية فَأَنْشد فِي الدهليز قبل دُخُوله بِحَيْثُ يسمع القَاضِي من الطَّوِيل
(إِن النَّاس غطوني تغطيت عَنْهُم ... وَإِن بحثوا عني ففيهم مبَاحث)
(وَإِن نبثوا بئري نبثت بئارهم ... قوم كَيفَ تِلْكَ النبائث)
ثمَّ حضرا بَين يَدي القَاضِي وأديا الشَّهَادَة فَقَالَ كلامك مسموع وشهادتك مَقْبُولَة ثمَّ غرم الْمبلغ من عِنْده وَأطلق الْيَهُودِيّ وَمَا أمكنه أَن يرد شَهَادَتهمَا خوفًا من لِسَان أبي دلامة وَقَول الحريري فِي المقامة الْأَرْبَعين وَأَنت تعلم أَنَّك أَحْقَر من قلامة وأعيب من بغلة أبي دلامة
كَانَت لأبي دلامة بغلة يركبهَا فِي مواكب الْخُلَفَاء والكبراء ويضحكهم بشماسها وحرانها وقماصها وَقد جمعت جَمِيع المعايب فَذكر بعض عيوبها فِي قصيدة وَهِي
(أبعد الْخَيل أركبها كراما ... وَبعد الفره من خضر البغال)
(رزقت بغيلة فِيهَا وكال ... وليته لم يكن غير الوكال)
)
(رَأَيْت عيوبها كثرت فَلَيْسَتْ ... وَإِن أكثرت ثمَّ من الْمقَال)
(ليحصي منطقي وَكَلَام غَيْرِي ... عشير خصالها شَرّ الْخِصَال)
(فأهون عيبها أَنِّي إِذا مَا ... نزلت فَقلت امشي لَا أُبَالِي)
(تقوم فَمَا تبت هُنَاكَ شبْرًا ... وترمحني وَتَأْخُذ فِي قتالي)
(وَأَنِّي إِن ركبت أذبت نَفسِي ... بِضَرْب بِالْيَمِينِ وبالشمال)
(وبالرجلين أركلها جَمِيعًا ... فيا لي فِي الشَّقَاء وَفِي الكلال)