هَل ملت من شوقي معي فَقلت الْحق مَا عَلَيْهِ غطاء هَذَا أولى ولازمته بعد ذَلِك نَحْو ثَلَاث سِنِين أنْشدهُ فِي أَثْنَائِهَا مَا يتزيد لي إِلَى أَن أنشدته قولي من الْبَسِيط
(وَا طول شوقي إِلَى ثغور ... ملى من الشهد والرحيق)
(عَنْهَا أخذت الَّذِي ترَاهُ ... يعذب فِي شعري الرَّقِيق)
فارتاح وَقَالَ سلكت جادة الطَّرِيق مَا تحْتَاج إِلَى دَلِيل انْتهى
وَكَانَ بهاء الدّين زُهَيْر كَرِيمًا فَاضلا حسن الْأَخْلَاق جميل الْأَوْصَاف خدم الصَّالح أَيُّوب)
وسافر مَعَه إِلَى الشرق فَلَمَّا ملك مصر بلغه أرفع الْمَرَاتِب ونفذه رَسُولا إِلَى النَّاصِر صَاحب حلب يطْلب مِنْهُ أَن يسلم إِلَيْهِ عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل فَقَالَ كَيفَ أسيره إِلَيْهِ وَقد استجار بِي وَهُوَ خَال أبي ليَقْتُلهُ فَرجع الْبَهَاء زُهَيْر بذلك فَعظم على الصَّالح وَسكت على حنق وَلما صَار مَرِيضا على المنصورة تغير على الْبَهَاء زُهَيْر وأبعده لِأَنَّهُ كَانَ كثير التخيل وَالْغَضَب والمعاقبة على الْوَهم وَلَا يقبل عَثْرَة والسيئة عِنْده مَا تغْفر
واتصل الْبَهَاء بعده بِخِدْمَة النَّاصِر بِالشَّام وَله فِيهِ مدائح ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْقَاهِرَة وَلزِمَ بَيته يَبِيع كتبه وموجوده ثمَّ انْكَشَفَ حلّه بِالْكُلِّيَّةِ وَمرض أَيَّام الوباء وَمَات وَقيل إِنَّه ترك مكاتبات الدِّيوَان فِي الدِّيوَان وَفِيهِمَا جَوَاب النَّاصِر دَاوُد فَحَضَرَ الدوادار وَطلب الْكتب للعلامة والبهاء زُهَيْر غَائِب فدفعهما إِلَيْهِ فَخر الدّين بن لُقْمَان فِيمَا أَظن فَدخل بهَا إِلَى السُّلْطَان فتأملها وَعلم عَلَيْهَا وَكتب بَين السطور فِي جَوَاب النَّاصِر دَاوُد يَا بهاء الدّين هَذَا مَا يكْتب إِلَيْهِ بِغَيْر هَذَا وداهنه وَلَا تبدي لَهُ شَيْئا مِمَّا عندنَا أَو قَالَ كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وَفعل الصَّالح ذَلِك بِنَاء على أَن الْبَهَاء زهيراً يقف على الْكتاب وَيقْرَأ مَا كتبه السُّلْطَان ويفك الأوصال ويغير الْكتب على مَا أَرَادَهُ ثمَّ إِن الدوادار أحضر الْكتب إِلَى الدِّيوَان وسفر فَخر الدّين لُقْمَان القاصد إِلَى النَّاصِر بجوابه وَلم يقف عَلَيْهِ هَذَا كُله وبهاء الدّين زُهَيْر غَائِب فَلَمَّا وقف النَّاصِر على جَوَاب الصَّالح وَرَأى خطه جهز إِلَى الصَّالح يَقُول لَهُ هَكَذَا تكون الْمُلُوك وَأَيْمَانهمْ وَأَنت تبطن خلاف مَا تظهر وَذكر لَهُ مَا كتبه فِي جَوَابه بِخَطِّهِ فَلَمَّا وقف الصَّالح على ذَلِك استشاط غَضبا وَطلب الْبَهَاء زهيراً وَقَالَ لَهُ أَنا أعلم أَنَّك أَنْت مَا فعلت هَذَا معي وَلَكِن قل لي من هُوَ الَّذِي اعْتمد هَذَا لأقطع يَده فَقَالَ يَا خوند مَا فعله إِلَّا أَنا فألح عَلَيْهِ فأصر على الْإِنْكَار فَقَالَ لَهُ أَنْت لَك عَليّ حق خدمَة وَأَنا مَا آذيك وَلَكِن خل لي هَذِه الْبِلَاد ورح فَخرج من مصر وعطل وَلم يقل عَن فَخر الدّين بن لُقْمَان مَا فعل وَالله أعلم بِصِحَّة غضب الصَّالح عَلَيْهِ
وَكَانَ الْبَهَاء زُهَيْر فِيمَا يذكر أسود قَصِيرا شَيخا بذقن مقرطمة وَكَانَ غَرِيب الشكل فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute