وتغرّب فِي الْبِلَاد مدّةً حتّى سكنت نَفسه وَمَات من يخافهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَغْدَاد وَبنى لَهُ بِظَاهِر الْبَلَد صومعةً أَقَامَ بِهَا مدّة ثُمَّ عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من بيع الدفاتر والكتب والتصنيف إِلَى أَن أَدْرَكته منيّته فَمَاتَ فِي صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين مائَة انْتهى قلت وَلَهُ من التصانيف كتاب لمح الْملح وَهُوَ كتاب جمع فِيهِ مَا وَقع لغيره من الجناس نظماً ونثراً وَقَدْ هذّبتُه أَنا ونقحته وسمّيته حرم المرح فِي تَهْذِيب لمح الْملح وَمَا كَانَ لَهُ علم بالقافية فإنّي رَأَيْته يَعْقِدُ الْبَاب للقافية ويورد فِيهِ مَا لَا هُوَ أصل فِيهِ وَله كتاب الإعجاز فِي الأحاجي والألغاز وَكتاب صفوة الصفوة وَهُوَ نظم كلّه فِي الْحِكْمَة وَكتاب زِينَة الدَّهْر وعصره أهل الْعَصْر ذيّله عَلَى دمية الْقصر وَلَهُ ديوَان صَغِير الحجم إلاّ أنّ أَكْثَره مَصْنُوع مجدول نُقرأ القصيدة مِنْهُ عَلَى عدّة وُجُوه وَمن نظمه أَبْيَات عَلَى أَرْبَعَة أَقسَام وتُقرأ عرضا وطولاً وَهِي من الرمل
(إنّ سؤلي بدُر تمٍّ ... إِن تبدّا وَهْوَ حسبي)
(يَا عَذولي حِينَ ولّى ... وَتَجَنَّى لَا لِذَنْبِ)
(مَا رَثَى إِذْ رامَ هَجري ... وَجَفاني بعدَ حُبِّ)
)
(قُلْتُ عُجْ بِي بَعْدَ عَتْبي ... شَفَّ قَلْبي مَلَّ قُرْبي)
وَمِنْه أَيْضا أَبْيَات نصفهَا مُعْجم وَنِصْفهَا مهمل وَهِي من الْمُضَارع
(قَضِيبُ قَفٍّ بجفن خشفٍ ... علاهُ لمّا سما هِلالُ)
(يُذِيبُنِي نَبْتُ ذِي شنيب ... وَمَا درٌ مَا لَهُ حَلالُ)
(يفتتني زينُ خبتِ ظَبْيٍ ... صُدودُه كُلُّهُ دَلالُ)
(بَصٌ نَثِيٌّ غَضيضُ جَفْنٍ ... كدرّ موعوده المطالُ)
وَهِي أَكثر من هَذَا وَلَهُ أَيْضا وأوّله بوسْني وَاحِدَة من الوافر
(بِوَرْدِ الخَدِّ هَيمني حَبِيبُ ... يقلَ لَهُ المشاكِلُ والضريبُ)
(وألْبَسَنِي مِنَ الأسْقامِ ثوبا ... وَفِي جلبابه غُصْنٌ رَطيبُ)
(سَخَبْتُ الذيلَ فِي حُبِّيهِ قِدْماً ... فَلَيسَ لِمّا بُليتُ بِهِ طبيبُ)
(نَدِمْتُ عَلَى مُفارَقَتي دِياراً ... يحلُّ بِهَا فَفِي قَلْبي نُدوبٌ)
(يَهُونُ عَلى مفارقتي ديارًا ... بأوّلِ شِعرهِ عِوّضٌ قَريبُ)
وَمِنْه قَوْله وَهُوَ لَا تنطبق فِي الشفتان من الرجز