(الْحَمد لله نجاني وخلصتني ... من ابْن جهراء والبوصي قد حبسا)
(من يجشم الْبَحْر والبوصي مركبه ... إِلَى حضوضي فبئس الْمركب التمسا)
(أبلغ لديك أَبَا حفصٍ مغلغلةً ... عِنْد الْإِلَه إِذا مَا غَار أَو جلسا)
(أَنِّي أكر على الأولى إِذا فزعوا ... يَوْمًا وأحبس تَحت الرَّايَة الفرسا)
(أغشى الْهياج وتغشاني مضاعفةٌ ... من الْحَدِيد إِذا مَا بَعضهم خنسا)
فَبلغ عمر خَبره فَكتب إِلَى سعدٍ فحبسه فَلَمَّا كَانَ يَوْم قس الناطف والتحم الْقِتَال سَأَلَ أَبُو محجن امْرَأَة سعدٍ أَن تعطيه فرس سعدٍ وَتحل قَيده لِيُقَاتل الْمُشْركين فَإِن اسْتشْهد فَلَا تبعة عَلَيْهِ وَإِن سلم عَاد حَتَّى يضع فِي رجله الْقَيْد فَأَعْطَتْهُ الْفرس وحلت قَيده وخلت سَبيله وعاهدها على الْوَفَاء فقاتل فأبلى بلَاء حسنا إِلَى اللَّيْل ثمَّ عَاد إِلَى محبسه وَقَالَ من الوافر
(لقد علمت ثقيفٌ غير فخرٍ ... بِأَنا نَحن أكْرمهم سيوفا)
(أَكْثَرهم دروعاً سابغاتٍ ... وأصبرهم إِذا كَرهُوا الوقافا)
(وَأَنا وفدهم فِي كل يومٍ ... وَإِن جَحَدُوا فسل بهم عريفا)
(وَلَيْلَة قادسٍ لم يشعروا بِي ... لوم اكره بمخرجي الزحوفا)
(فَإِن أحبس فقد عرفُوا بلائي ... وَإِن أطلق أجرعهم حتوفا)
)
فَقَالَت لَهُ سلمى امْرَأَة سعدٍ يَا أَبَا محجن فِي أَي شَيْء حَبسك هَذَا الرجل فَقَالَ أما وَالله مَا حَبَسَنِي لحرامٍ أَكلته وَلَا شربته وَلَكِنِّي كنت صَاحب شرابٍ فِي الْجَاهِلِيَّة وَأَنا امْرُؤ شاعرٌ يدب الشّعْر على لساني فأنفثه أَحْيَانًا فحبسني لقولي من الطَّوِيل
(إِذا مت فادفني إِلَى أصل كرمةٍ ... تروي عِظَامِي بعد موتِي عروقها)
(وَلَا تدفنني فِي الفلاة فإنني ... أَخَاف إِذا مَا مت أَن لَا أذوقها)
فَأَتَت سَعْدا وخبرته خبر أبي محجن فَدَعَا بِهِ وَأطْلقهُ وَقَالَ إذهب فلست مؤاخذك بشيءٍ تَقوله حَتَّى تَفْعَلهُ فَقَالَ لَا جرم وَالله لاأجيب بلساني إِلَى صفة قبيحٍ أبدا وَهُوَ الْقَائِل من الْبَسِيط
(لَا تسألي النَّاس عَن مَالِي وكثرته ... وسائلي النَّاس مَا فعلي وَمَا خلقي)
(أعطي السنان غَدَاة الروع صِحَّته ... وعامل الرمْح أرويه من العلق)
(وأطعن الطعنة النجلاء عَن عرضٍ ... وأحفظ السِّرّ فِيهِ ضَرْبَة الْعُنُق)