وَهَذَا النَّابِغَة الَّذِي شكر الله زَمَانا فيع نبغ وَهَذَا النبل الَّذِي على)
الأكوار واقتعدنا سنامه وغاربا ورأينا مشارقه ومغاربه نَظرنَا إِلَى السوارق من فَوْقه كالأهاضب وَمن الْجبَال جددٌ بيضٌ وحمر وغرابيب وَقد حط رجلا فِي الأَرْض ورأساً فِي السما وَأخذ لِسَانا إِلَى الْبَحْر وَمَا بِهِ من ظما وكأنما قَامَ إِلَى الْأُفق مزاحماً بمناكبه أبراجه أَو مَال على الْبَحْر ملاطماً بأهاضبه أمواجه تَزُول جبال رضوى وَهُوَ لَا يَزُول وتحول صبغة الْأَيَّام وصبغ شعرته لَا يحول قد رفع البروج عَلَيْهِ قباباً وأعارته الشَّمْس من شاعهها أطناباً من الوافر
(وَأصْبح والغمام لَهُ رداءٌ ... على ثوبٍ من النبت العميم)
(لَهُ درجٌ بنهر السحب يسْقِي ... يضاحك زهره زهر النُّجُوم)
قد ركعت عَلَيْهِ الْكَوَاكِب والنجم وَالشَّجر يسجدان وَرفعت سماءه حَتَّى وضع عَلَيْهَا الْمِيزَان وَلما علاهُ الْمَمْلُوك تشوق إِلَى بلدته وَتَشَوُّقِ وتعلل بقربها مِنْهُ حِين عاينها من بعد وتسوف فَإِنَّهَا بلدته الَّتِي نَشأ من مَائِهَا وتربها وَلذَلِك جبلت طينته على حبها وَلم يزل يتلدد طرفه من بعد إِلَيْهَا ويتلذذ قلبه عَلَيْهَا حَتَّى عطف إِلَى ظلها عَائِدًا وَرجع بعد صدوده عَنْهَا وارداً فَوجدَ بهَا أطيب بقعةٍ وَأحسن مَدِينَة وَكَانَ موعد دُخُوله يَوْم الزِّينَة وَقد دارت للسرور أعظم رحى وَحشر النَّاس لقِرَاءَة كتاب الْبشَارَة ضحى وَإِذا بِهِ قد تضمن خبر الْفَتْح الْمُبين والنصر الْعَزِيز بعد أَن مس الْمُسلمين الضّر بِالشَّام وَنَادَوْا من بِمصْر يَا أَيهَا الْعَزِيز وَقد فرش الرّبيع ربوعها وقررها بالزهر وَنشر عَلَيْهَا ملاءة النسيم وطرزها بالنهر وَكَانَت يومئذٍ بَلْدَة لَا يهجر قطرها القطار وَلَا يحجب أفقها الْغُبَار وَلَا يعثر العقبان بعجاجها حَتَّى كَانَ جوها وعث أوضار وَلَا يخترق عين شمسها كبد السَّمَاء وَلَا يضرم حرهَا لهواتٍ بزفرات الْقَضَاء قد اكتفت بسح سحبها وغنيت بسقيا رَبهَا مَعَ أَن لَهَا نَهرا يتعطف تعطف الْحباب ويتشنف بدر الْحباب ويترشف مَاؤُهُ كالظلم من الأحباب والرضاب وَعَلِيهِ نواعير تشابه الأفلاك فِي مدارها واستدارها والفلك فِي بحارهاوبخارها إِذْ فِي هَذِه أضلعٌ كَثِيرَة كَمَا فِي جنبات تِلْكَ من الضلوع ولهذه صواري عديدةٌ كَذَلِك إِلَّا أَنَّهَا بِغَيْر قلوع وَمن عجائبها أَنَّهَا تحن حنين العشاق وتئن للوعة الْفِرَاق وتبكي على بعدٍ من الحدائق بعدةٍ من الأحداق من الطَّوِيل
(وَمَا ذكرت تِلْكَ النواعير دوحها ... وَقد أقفرت فِي الأيك مِنْهَا ربوعها)
رنت نَحْوهَا تبْكي الرياض عيونها المراض وفاضت فِي الْحِيَاض دموعها)
(وأحنى عَلَيْهَا السقم حَتَّى بَدَت لنا ... من الوجد قد كَادَت تعد ضلوعها)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute