ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة وأباع وظائفه وَبهَا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى
وَكَانَ شَيخا طوَالًا حسن الشكل والعمة حُلْو الْوَجْه اجْتمعت بِهِ غير مرّة وَكَانَ قَادِرًا على النّظم والنثر إِلَّا أَنه لم يكن لَهُ فيهمَا غوص وَكَانَ ظنيناً بِنَفسِهِ يعيب كَلَام القَاضِي الْفَاضِل وَغَيره ويظن أَن كَلَامه خير من كَلَام القَاضِي الْفَاضِل ويرجح كَلَام ابْن الْأَثِير عَلَيْهِ
وعارض الرسائل المختارة للْقَاضِي الْفَاضِل مثل الرسَالَة الذهبية وَفتح الْقُدس وَغَيرهمَا فعارض الشَّمْس بالزبالة والجواهر بالزبالة لَكِن كَلَامه كَانَ متوسطاً وَهُوَ قَادر على الْإِنْشَاء نظماً ونثراً ذُو بديهة وارتجال وخطه جيد قوي عمل تَارِيخا لليمن وتاريخاً للنحاة لَيْسَ بِشَيْء وذيل على تَارِيخ ابْن خلكان بذيل قصير جدا رَأَيْته لم يبلغ بِهِ ثَلَاثِينَ رجلا وَكَانَ يعظم نَفسه ويمدحها ولكلامه وَقع فِي النُّفُوس إِذا أطنب فِي وصف فضائله وأنشدني من كَلَامه كثيرا وَكتب عَليّ أَشْيَاء وقف عَلَيْهَا من تصانيفي تقريظاً بالنظم والنثر فَمن ذَلِك مَا كتبه على جنان الجناس الطَّوِيل
(جنان جناس فاق جنس جنان ... يعين الْمعَانِي فِيهِ جلّ مَعَاني)
(لقد نوع الْأَجْنَاس فِيهِ مؤلف ... طرائق وشي أَو سموط جمان)
(غَدا ناهجاً فِيهِ مناهج لم يكن ... قدامَة قدماً جاءها بِبَيَان)
(مَقَاصِد مَا نجل الْأَثِير مثيرها ... بَدَائِع فضلٍ من بديع زمَان)
(محررة الْأَلْفَاظ لَكِن حسنها ... رَقِيق ينسينا حليل حسان)
(إِذا ابْن فَتى نجل الْحَدِيد أرادها ... تَقول لَهُ أقصر فلست بدان)
(وَمَا أَنْت مِمَّن يسبك التبر ناقداً ... وَمَا لَك فِي سبك النضار يدان)
(لقد أطربت أبياته كل سامع ... فرائد مَا جَاءَت لَهُنَّ ثوان)
(تفوح بأرواح الصِّبَا نفحاتها ... حَظِيرَة بَان عِنْد حَضْرَة بَان)
(لقد صير الحساد تذرف عِنْدهَا ... مدامع شَأْن فِي محاجر شان)
(أَقُول لنظمي حِين حاول شأوها ... رفيقك قيسي وَأَنت يمَان)
(بقيت صَلَاح الدّين للفضل صَالحا ... لحسن بَيَان من يراع بنان)
)
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ الوافر
(تجنب أَن تذم بك اللَّيَالِي ... وحاول أَن يذم لَك الزَّمَان)