للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَلم يكن صَلَاح الدّين مِمَّن تطمع نَفسه فِي تِلْكَ الرُّتْبَة وَاتفقَ أَنه اجْتمع بالفاضل فِي دَار السُّلْطَان وَجرى حَدِيث من ترشح للولاية وَبسط صَلَاح الدّين الحَدِيث فِي ذكرهم وَلم يذكر نَفسه فَجَذَبَهُ الْفَاضِل إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ سرا هَل عنْدك قُوَّة لِأَن تلِي هَذَا الْأَمر فَقَالَ صَلَاح الدّين وأنى لي بذلك وَهنا مثل فلَان وَفُلَان وَعدد الأكابر فَقَالَ لَهُ لَا عَلَيْك فَإِنِّي أدبر أَمرك فاستعد لذَلِك

فَبينا هما فِي الحَدِيث استدعي الْفَاضِل إِلَى مجْلِس العاضد واستشير فِيمَن يُولى وَلم يكن شيركوه دفن بعد لِأَن من عَادَتهم أَن الَّذِي يتَوَلَّى يلبس فِي الْجِنَازَة أَخْضَر دون كل من فِيهَا وَنهي إِمَارَة الْولَايَة فَقَالَ الْفَاضِل رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ أَعلَى وَهُوَ أعرف فَقَالَ العاضد مَا تَقول فِي فلَان فوهى أمره وَذكر شَيْئا صدفه عَنهُ إِلَى أَن ذكر جمَاعَة كلهم كَذَلِك فَقَالَ للفاضل فَمن ترى أَنْت قَالَ مَا رَأَيْت فِي الْجَمَاعَة أحسن طَريقَة من يُوسُف ابْن أَيُّوب ابْن أخي الْمَيِّت فَإِنِّي اختبرته ورأيته يرجع إِلَى دين وَأَمَانَة فَقَالَ العاضد إِنِّي أَخَاف أَن لَا يرضى بِهِ الْقَوْم فَقَالَ الْفَاضِل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت ألبسهُ وَأَجْلسهُ وَهُوَ يبْذل الْأَمْوَال وَيصْلح)

حَال الرِّجَال فَفعل ذَلِك وَخرج النَّاس وعَلى صَلَاح الدّين الْأَخْضَر من دون الْجَمَاعَة فعرفوا أَنه صَاحب الْأَمر وساعدته السَّعَادَة فَلم يقل أحد كلمة وَفرق خزاين شيركوه وعامل النَّاس بِالْإِحْسَانِ وبذل المَال فَأَحبُّوهُ وَتمّ أمره وَصَارَ الْقَبْض والبسط إِلَى الْفَاضِل وفوض صَلَاح الدّين إِلَيْهِ أُمُور دولته وَصَارَ لَا يصدر عَن رَأْيه واستنابه فِي جَمِيع أُمُوره ورعى لَهُ تِلْكَ الْحَال فَجرى فِي تصاريفه على أحسن قانون وَأحسن إِلَى أَرْبَاب الْبيُوت وَجمع كتبا مَشْهُورَة بَلغنِي أَنَّهَا تكون سبعين ألف مُجَلد فِي فنون الْعلم وأنواعه وَأما ابْن بنان الَّذِي كَانَ السَّبَب فِي خُلَاصَة وعلو منزله فَإِنَّهُ أطرح فِي دولة بني شادي حَتَّى احْتَاجَ إِلَى النَّاس فَدخل يَوْمًا إِلَى الْفَاضِل وَقد انقادت الدولة لأَمره وَنَهْيه فعدد إحسانه إِلَيْهِ واشتماله فِي الدولة الذاهبة عَلَيْهِ فاعترف الْفَاضِل بذلك واستخلص لَهُ رزقا كَانَ يقوم عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ

وَكَانَ القَاضِي الْفَاضِل شَابًّا مليحاً من أظرف الرِّجَال فَلَمَّا كَانَت وقْعَة الْبَاب بَين شيركوه وشاور بالصعيد نفرت بِهِ فرسه فَوَقع على ظَهره على قربوس السرج فأوهنه فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْقَاهِرَة عمل عَلَيْهِ وَكَانَ يمرضه ويداويه وَقد مد وانتفخ فَلَمَّا كَانَ يَوْم جُلُوسه بَين يَدي أَسد الدّين وَهُوَ يكْتب انفجرت عَلَيْهِ وَهُوَ بَين يَدَيْهِ فَمَا راعه إِلَّا والمدة وَالدَّم يسيلان بَين يَدي أَسد الدّين فارتاع من ذَلِك وَقَالَ احملوه ورق لَهُ وعولج وانفسدت إِحْدَى خَرَزَات ظَهره ثمَّ اندملت وَكَانَت لَهُ حدبة وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن عنين المنسرح

<<  <  ج: ص:  >  >>