أَنا أجفو عَن تَعْلِيم الصّبيان وأحمله إِلَى تلميذي الْوَجِيه فأخذني الْوَجِيه بكلتا يَدَيْهِ وَجعل يعلمني من أول النَّهَار إِلَى آخِره وَيجْعَل جَمِيع الشروحات لي ويخاطبني
وَفِي آخر الْأَمر أَقرَأ درسي ثمَّ نخرج من الْمَسْجِد فيذاكرني فِي الطَّرِيق فَإِذا بلغنَا منزله أخرج الْكتب الَّتِي يشْتَغل بهَا مَعَ نَفسه فيحفظ وأحفظ مَعَه وَأخرج مَعَه إِلَى كَمَال الدّين ابْن الْأَنْبَارِي فَيقْرَأ درسه ويشرح لَهُ وانا أسمع وتخرجت إِلَى أَن صرت أسبقه فِي الْحِفْظ والفهم وأصرف أَكثر اللَّيْل فِي الْحِفْظ والتكرار فاستقام ذهني وأقمت بُرْهَة وَأَنا لَازم الشَّيْخ وَشَيخ الشَّيْخ وحفظت اللمع فِي ثَمَانِيَة أشهر وأطالع عَلَيْهِ الشُّرُوح وأشرحها لتلاميذ يختصون بِي إِلَى أَن صرت أَتكَلّم على كل بَاب كراريس وَلَا ينفذ مَا عِنْدِي وحفظت أدب الْكتاب لِابْنِ قُتَيْبَة فِي شهور فَأَما تَقْوِيم اللِّسَان فَفِي أَرْبَعَة عشر يَوْمًا كل يَوْم كراس وحفظت مُشكل الْقُرْآن لَهُ وغريب الْقُرْآن لَهُ فِي مُدَّة يسيرَة وحفظت الْإِيضَاح لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي شهور وَأما التكملة فَفِي أَيَّام يسيرَة كل يَوْم كراس وطالعت الْكتب المبسوطة والمختصرات وواظبت على مقتضب الْمبرد وَكتاب ابْن درسْتوَيْه وَفِي أثْنَاء ذَلِك لَا أغفل عَن سَماع الحَدِيث وَالْفِقْه على شَيخنَا ابْن فضلان وأكببت على المقتضب فأتممته وَبعد ذَلِك تجردت لكتاب سِيبَوَيْهٍ وَشَرحه للسيرافي وقرأت على أبي عُبَيْدَة الْكَرْخِي كتبا كَثِيرَة مِنْهَا الْأُصُول لِابْنِ السراج وقرأت)
عَلَيْهِ الْفَرَائِض وَالْعرُوض للخطيب التبريزي وَأما ابْن الخشاب فَسمِعت بقرَاءَته مَعَاني الزّجاج على الكاتبة شهدة وَسمعت مِنْهُ الحَدِيث المسلسل وَهُوَ الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن وأكببت على كتب الْغَزالِيّ الْمَقَاصِد والمعيار وَالْمِيزَان ومحك النّظر ثمَّ انْتَقَلت إِلَى كتب ابْن سينا صغارها وكبارها وحفظت كتاب النجَاة وكتبت الشِّفَاء وبحثت فِيهِ وحصلت كثيرا من كتب جَابر بن حَيَّان الصُّوفِي وَابْن وحشية وباشرت على الصَّنْعَة الْبَاطِلَة وتجارب الضلال الفارغة وَأقوى من أضلني ابْن سينا بكتابه فِي الصَّنْعَة الَّذِي تمم بِهِ فلسفته الَّتِي لَا تزداد بالتمام إِلَّا نقصا ثمَّ دخلت الْموصل وَوجدت الْكَمَال ابْن يُونُس جيدا فِي الرياضيات وَالْفِقْه متصرفاً فِي بَاقِي أَجزَاء الْحِكْمَة وَاجْتمعَ إِلَيّ جمَاعَة كَبِيرَة وَعرضت عَليّ مناصب فاخترت مِنْهَا مدرسة ابْن مهَاجر الْمُعَلقَة وَدَار الحَدِيث الَّتِي تحتهَا وأقمت بالموصل سنة فِي اشْتِغَال دَائِم ومتواصل وَسمعت النَّاس يرهجون فِي حَدِيث السهروردي المتفلسف ويعتقدون أَنه فاق الْأَوَّلين والآخرين وَأَن تصانيفه فَوق تصانيف القدماء فهممت لقصده وأدركني التَّوْفِيق وَطلبت من ابْن يُونُس شَيْئا من تصانيفه فوقفت على التلويحات واللمحة والمعارج فصادفت فِيهَا مَا يدل على جهل أهل الزَّمَان وَوجدت لي تعاليق كَثِيرَة لَا أرتضيها هِيَ خير من كَلَام هَذَا الأول ثمَّ دخلت دمشق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute