للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَاجْتمعت بالكندي الْبَغْدَادِيّ النَّحْوِيّ وَجَرت بَيْننَا مباحثات وَكَانَ شَيخا ذكياً مثرياً لَهُ جَانب من السُّلْطَان لكنه معجب بِنَفسِهِ مؤذ لجليسه وأظهرني الله عَلَيْهِ فِي مبَاحث ثمَّ أهملت جَانِبه وَكَانَ يتَأَذَّى بإهمالي وعملت بِدِمَشْق تصانيف جمة ثمَّ تَوَجَّهت إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكا وَاجْتمعت ببهاء الدّين ابْن شَدَّاد قَاضِي الْعَسْكَر يَوْمئِذٍ فانبسط إِلَيّ وَأَقْبل عَليّ وَقَالَ تَجْتَمِع بعماد الدّين الْكَاتِب فَوَجَدته يكْتب كتابا إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بقلم الثُّلُث من غير مسودة وذاكرني فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَقَالَ قومُوا بِنَا إِلَى القَاضِي الْفَاضِل فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَرَأَيْت شَيخا ضئيلاً كُله رَأس وقلب وَهُوَ يكْتب ويملي على اثْنَيْنِ وَوَجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقُوَّة حرصه على إِخْرَاج الْكَلَام وَكَانَ يكْتب بجملة أَعْضَائِهِ وسألني عَن قَوْله تَعَالَى حَتَّى إِذا جاءها وَفتحت أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُم خزنتها أَيْن جَوَاب إِذا وَأَيْنَ جَوَاب لَو فِي قَوْله تَعَالَى وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال وَعَن مسَائِل كَثِيرَة وَمَعَ هَذَا فَلَا يقطع الْكِتَابَة والإملاء وَقَالَ لي ترجع إِلَى دمشق وتجرى عَلَيْك الجرايات فَقلت أُرِيد مصر فَكتب لي ورقة صَغِيرَة إِلَى وَكيله لَهَا فَلَمَّا وصلت الْقَاهِرَة جَاءَنِي ابْن سناء الْملك)

وَكيله فأنزلني دَارا قد زيحت عللها وَجَاءَنِي بِدَنَانِير وغلة ثمَّ مضى إِلَى أَرْبَاب الدولة وَقَالَ هَذَا ضيف القَاضِي الْفَاضِل فَدرت الْهَدَايَا والصلات من كل جَانب وَكَانَ فِي كل عشرَة أَيَّام وَنَحْوهَا تصل تذكرة الْفَاضِل فِي مهمات الدولة وفيهَا فضل توكيد الْوَصِيَّة بِي فأقمت بِمَسْجِد الْحَاجِب لُؤْلُؤ أَقْْرِئ النَّاس وَكَانَ قصدي ياسمين السيميائي والرئيس مُوسَى بن مَيْمُون الْيَهُودِيّ وَأَبا الْقَاسِم الشراعي أما ياسمين فَوَجَدته محالياً كذابا ومُوسَى الْيَهُودِيّ وجدته فَاضلا لَا فِي الْغَايَة قد غلب عَلَيْهِ حب الرياسة وخدمة أَرْبَاب الدُّنْيَا وَأما أَبُو الْقَاسِم فَوَجَدته كَمَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين سيرته سيرة الْحُكَمَاء الْعُقَلَاء وَوَجَدته قيمًا بكتب القدماء وَإِذا تفاوضنا فِي الحَدِيث أغلبه بِقُوَّة الجدل وَفضل اللسن ويغلبني بِقُوَّة الْحجَّة وَظُهُور المحجة ثمَّ عدت إِلَى الْقُدس وَأخذت من كتب القدماء مَا أمكنني وَكتب لي السُّلْطَان صَلَاح الدّين عِلّة ديوَان الْجَامِع كل شهر بِثَلَاثِينَ دِينَارا وَأطلق لي أَوْلَاده رواتب وَرجعت إِلَى دمشق وأكببت على الِاشْتِغَال وإقراء النَّاس بالجامع وَكلما أمعنت فِي كتب القدماء ازددت فِيهَا رَغْبَة وَفِي كتب ابْن سينا زهادة واطلعت على بطلَان الكيمياء وَعرفت حَقِيقَة الْحَال فِي وَضعهَا وَمن وَضعهَا وَمَا كَانَ قَصده فِي ذَلِك وخلصت من ضلالين عظيمين فَإِن أَكثر النَّاس هَلَكُوا بكتب ابْن سينا وبالكيمياء ثمَّ إِن صَلَاح الدّين توفّي وأقمت بِدِمَشْق وملكها الْأَفْضَل إِلَى أَن جَاءَ الْعَزِيز بعساكر مصر وَتَأَخر إِلَى مرج الصفر لقولنج عرض لَهُ فَخرجت إِلَيْهِ بعد خلاصه فَأذن لي فِي الرحيل مَعَه وأجرى عَليّ من بَيت المَال كفايتي وَزِيَادَة وأقمت مَعَ الشَّيْخ أبي الْقَاسِم يلازمني صباحاً وَمَسَاء إِلَى أَن قضى نحبه وَكنت أَقْْرِئ النَّاس بالجامع الْأَزْهَر من أول النَّهَار إِلَى نَحْو السَّاعَة الرَّابِعَة ووسط النَّهَار يَأْتِي من يقْرَأ الطِّبّ

<<  <  ج: ص:  >  >>