للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي آخر سني الغلاء بِمصْر توفّي وَبَقِي فِي بَيته ثَلَاثَة أَيَّام مَيتا لِأَنَّهُ كَانَ يحب الِانْفِرَاد وَالْخلْوَة وَكَانَ يتطلس وَلَا يُدِير الطيلسان على عُنُقه بل يُرْسِلهُ وَكَانَ إِذا دخل فصل الشتَاء اختفى وَلم يكد يظْهر وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ أَنْت فِي الشتَاء من حشرات الأَرْض وَإِذا دخل الْحمام يدْخل وعَلى رَأسه مزدوجة مبطنة بِقطن فَإِذا صَار عِنْد الْحَوْض كشف رَأسه بِيَدِهِ الْوَاحِدَة وصب المَاء الْحَار الناضح بِيَدِهِ الْأُخْرَى على رَأسه ثن يغطيه إِلَى أَن يمْلَأ السطل ثمَّ يكشفه وَيصب عَلَيْهِ ثمَّ يغطيه يفعل ذَلِك مرَارًا وَيَقُول أَخَاف من الْهَوَاء وَكَانَ إِمَامًا نحوياً مؤرخاً شَاعِرًا وَله الْعرض الْكَبِير نَحْو ثَلَاث مائَة ورقة وَكتاب الْعرُوض الصَّغِير وَكتاب العظات والموقظات وَكتاب النبر فِي الْعَرَبيَّة وَكتاب أَخْبَار المتنبي وَكتاب المستزاد على المستجاد من فعلات الأجواد وَكتاب علم أشكال الْخط وَكتاب التَّصْحِيف والتحريف وَكتاب تَعْلِيل الْعِبَادَات

وَحضر يَوْمًا عِنْد البلطي بعض المطربين فغناه صَوتا أطربه فَبكى البلطي وَبكى المطرب فَقَالَ البلطي أما أَنا فَإِنِّي طربت فَأَنت علام تبْكي فَقَالَ تذكرت وَالِدي فَإِنَّهُ كَانَ إِذا سمع هَذَا الصَّوْت بَكَى فَقَالَ البلطي فَأَنت إِذا وَالله ابْن أخي وَخرج فَأشْهد على نَفسه جمَاعَة من عدُول)

مصر بِأَنَّهُ ابْن أَخِيه وَلَا وَارِث لَهُ سواهُ وَلم يزل ذَلِك المطرب يعرف بِابْن أخي البلطي وَكَانَ البلطي مَاجِنًا خليعاً خميراً منهمكاً على الشَّرَاب وَاللَّذَّات

وَمن شعره

(دَعوه على ضعْفي يجور ويشتط ... فَمَا بيَدي حل لذاك وَلَا ربط)

(وَلَا تعتبوه فالعتاب يزِيدهُ ... ملالاً وَأَنِّي لي اصطبار إِذا يَسْطُو)

(تنازعت الآرام والدر والمهى ... لَهُ شبها والغصن والبدر والسقط)

(فللريم مِنْهُ اللحظ واللون والطلى ... وللدر مِنْهُ اللَّفْظ واللحظ والخط)

(وللغصن مِنْهُ الْقد والبدر وَجهه ... وَعين المهى عين بهَا أبدا يَسْطُو)

(وللسقط مِنْهُ ردفه فَإِذا مَشى ... بدا خَلفه كالموج يَعْلُو وينحط)

وَمِنْه على نمط قَول الحريري فِي مقاماته

(محملة الْعَاقِل عَن ذِي الْخَنَا ... توقظه إِن كَانَ فِي محلمه)

(مكلمة الخابط فِي جَهله ... لقلب من يردعه مكلمه)

<<  <  ج: ص:  >  >>