الْخَاتم تدفعينه إِلَى مولاتك فَأَبت عَلَيْهِ مرَارًا فعرفها الْخَبَر وَقَالَ إطرحي هَذَا الْخَاتم فِي صبوحها فَإِن أنكرته قولي إِن ضيفنا اصطبح قبلك وَلَعَلَّه وَقع من يَده فَلَمَّا فعلت الْجَارِيَة ذَلِك عرفت عفراء الْخَبَر وَقَالَت لزَوجهَا إِن ضيفك ابْن عمي فَجمع بَينهمَا وَخرج وتركهما وأوقف من يسمع مَا يَقُولَانِ فتشاكيا وتباكيا طَويلا ثمَّ أَتَتْهُ بشراب وَسَأَلته شربه فَقَالَ وَالله مَا دخل جوفي حرَام قطّ وَلَا ارتكبته وَلَو استحللته كنت قد استحللته مِنْك وَأَنت حظي من الدُّنْيَا وَقد ذهبت مني وَذَهَبت مِنْك فَمَا أعيش بعْدك وَقد أجمل هَذَا الرجل الْكَرِيم وَأحسن وَأَنا مستحي مِنْهُ وَلَا أقيم بمكاني بعد علمه وَإِنِّي لأعْلم أَنِّي لأرحل إِلَى منيتي فَبَكَتْ وَبكى وَجَاء زَوجهَا وَأخْبرهُ الْخَادِم بِمَا جرى بَينهمَا فَقَالَ لَهَا يَا عفراء إمنعي ابْن عمك من الْخُرُوج فَقَالَت لَا يمْتَنع فَدَعَاهُ وَقَالَ يَا أخي اتَّقِ الله فِي نَفسك فقد عرفت خبرك وَإِن رحلت تلفت وَالله مَا أمنعك من الِاجْتِمَاع مَعهَا أبدا وَإِن شِئْت فارقتها فجزاه خيرا وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ الطمع فِيهَا آفتي والآن فقد يئست وحملت نَفسِي على الصَّبْر واليأس يسلي ولي أُمُور لَا بُد من الرُّجُوع إِلَيْهَا فَإِن وجدت لي قُوَّة إِلَى ذَلِك وَإِلَّا عدت إِلَيْكُم وزرتكم حَتَّى يقْضِي الله من أَمْرِي مَا يَشَاء فزودوه وأكرموه وأعطته)
عفراء خماراً لَهَا فَلَمَّا رَحل عَنْهُم نكس بعد صَلَاحه وأصابه غشي وخفقان وَكَانَ كلما أُغمي عَلَيْهِ ألقِي عَلَيْهِ كربَة ذَلِك الْخمار فيفيق فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيق ابْن مَكْحُول عراف الْيَمَامَة وَجلسَ عِنْده وَسَأَلَهُ عَمَّا بِهِ وَهل هون خبل أَو جُنُون فَقَالَ لَهُ عُرْوَة أَلَك علم بالأوجاع فَقَالَ نعم فَأَنْشَأَ عُرْوَة يَقُول
(أَقُول لعراف الْيَمَامَة داوني ... فَإنَّك إِن داويتني لطبيب)
(فواكبدي أمست رفاتاً كَأَنَّمَا ... يلذعها بالموقدات لهيب)
(عَشِيَّة لَا عفراء مِنْك قريبَة ... فتسلو وَلَا عفراء مِنْك قريب)
(فوَاللَّه مَا أتنساك مَا هبت الصِّبَا ... وَمَا عقبتها فِي الرِّيَاح جنوب)
(عَشِيَّة لَا خَلْفي مكر وَلَا الْهوى ... أَمَامِي وَلَا يهوى هواي غَرِيب)
(وَإِنِّي لتغشاني لذكراك فَتْرَة ... لَهَا بَين جلدي وَالْعِظَام دَبِيب)
قَالَ الأخباريون وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي طَرِيقه قبل أَن يصل إِلَى حيه بِثَلَاث لَيَال وَبلغ عفراء خَبره فَجَزِعت جزعاً شَدِيدا وَقَالَت ترثيه
(أَلا أَيهَا الركب المخبون وَيحكم ... أحقاً نعيتم عُرْوَة بن حزَام)
(فَلَا تهنأ الفتيان بعْدك لَذَّة ... وَلَا رجعُوا من غيبَة بِسَلام)
(وَقل للحبالى لَا يرجين غَائِبا ... وَلَا فرحات بعده بِغُلَام)
وَلم تزل تردد هَذِه الأبيات وتندبه وتبكيه إِلَى أَن مَاتَت بعده بأيام قَلَائِل