للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ من الوجاهة فِي الدولة الناصرية أَولا فِي المحلّ الْأَقْصَى وَفِي الدولة الْمَذْكُورَة بعد قدوم السُّلْطَان من الكرك أَيْضا فِي محلٍّ دون الأوّل يرَاهُ النَّاس بِالْعينِ الأولى ويعظّمونه جدا وَكَانَ فِي خدمَة الْأَمِير سيف الدّين سلاّر يكْتب قدّامه ويوقّع أَيَّام نيابته فكرهه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَخْبرنِي القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله من لَفظه قَالَ قَالَ لي السُّلْطَان مَا كرهته لأجل شَيْء وَإِنَّمَا خَان مخدومه يَعْنِي سلاْر لِأَنَّهُ اسْتَكْتَبَهُ شَيْئا واستكتمه فجَاء إليَّ وعرّفني بِهِ وَأَخْبرنِي أَيْضا عَنهُ قَالَ لما جَاءَ السُّلْطَان فِي المرّة الْأَخِيرَة من الكرك واستمرَّ الْأَمر لَهُ قَالَ للأمير عز الدّين أيدمر الدَّوادار السَّاعَة يَجِيء إِلَيْك طعامٌ من عِنْد ابْن عبد الظَّاهِر فاقبله مِنْهُ فَلم يكن قليلٌ حتَّى جَاءَ ذَلِك فَقبله مِنْهُ وعرَّف السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ السَّاعَة يبْعَث إِلَيْك خرفاناً وإوزًّا وسكرًا وَيَقُول يَا خَوَند أَنا مَا عِنْدِي من يطْبخ مَا يصحّ لَك دع مماليكك يشوون لَك هَذَا فَمَا كَانَ إلَاّ عَن قَلِيل حتَّى جَاءَ ذَلِك فَأَخذه وعرَّف السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ السَّاعَة يجهّز إِلَيْك ذَهَبا وَيَقُول أُرِيد يكون هَذَا وَدِيعَة فِي خزانَة الْأَمِير فَإِنَّهُ أحرز من بَيْتِي فَمَا كَانَ إلَاّ أَن جرى ذَلِك وَقَالَ لي يَا خوند قد أبعتُ لي ملكا وأخاف يسرقُ ثمنه وَقد أرصدته للحجاز وأسأل أَن يكون فِي خزانتك فَأخذ الورقة وعرضها على السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ إِلَيْهِ فِي قفاها يَا علاءَ الدّين نَحن مَا نغيِّر شرف الدّين بن فضل الله وَإِن غيَّرناه فَمَا نولّي إلَاّ عَلَاء الدّين بن الْأَثِير فوفَّر ذهبك عَلَيْك وخلّيه عنْدك انْتفع بِهِ انْتهى

وَكَانَ السُّلْطَان إِذا رَآهُ بعض الْأَوْقَات يَقُول سُبْحَانَ الرازق وَالله مَا أشتهي أرَاهُ وَهُوَ يَأْكُل رزقه وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ كَانَ رَئِيس الديار المصرية وجاهةً وشكلاً وإحساناً ونفعاً للنَّاس يحسن إِلَى الغرباء وَيَقْضِي حوائج النَّاس وَهُوَ عِنْد النَّاس مثل من هُوَ صَاحب الدِّيوَان وَلم يزل يُوقع فِي دست السُّلْطَان إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله)

وَكَانَ حسن البزّة حسن السَّمت نظيف اللبَاس إِلَى الْغَايَة طيّب الرَّائِحَة لَهُ مَكَارِم وَفِيه تجمُّل زَائِد وإحسان إِلَى من ينتمي إِلَيْهِ وَله نثر جيد عمل مقامةً سمَّاها مراتع الغزلان وجوَّدها ولمَّا دخلت الديار المصرية سنة سبع وَعشْرين وَسبع مائَة طلب منِّي نظيرها فأنشأت المقامة الَّتِي وسمتُها ب عِبْرَة الكئيب بعثرة الكئيب وَمَا أظنّه كَانَ ينظم شَيْئا وَمن لإنشائه رَحمَه الله رسالةٌ فِي المفاضلة بَين الرمْح وَالسيف وجوَّدها وَهِي بعثتُ إِلَيْك رسالتي وَفِي علمي أنَّك الكميّ الَّذِي لَا يجاريك ندّ والشجاع الَّذِي أظهر حسن لوثتك للضدّ والبطل المنيع للْجَار والأسد الَّذِي لَك الأسَل وجَّار والباسل الَّذِي كمّ

<<  <  ج: ص:  >  >>